جاريتان تخرْزان (?) بالطائف، فخرجت إحداهما ويدها تَدْمَى، فزعمت أن صاحبتها أصابتها، وأنكرت الأخرى، فكتبتُ إلى ابن عباس في ذلك، فكتب: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أن اليمين على المدعَى عليه، ولو أن الناس أُعْطُوا بدعواهم لادَّعَى ناس أموال ناس ودماءهم"، فادعُها، واتل عليها هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران: 77] حتى ختم الآية، فدَعَوْتُها، فتلوتُ عليها، فاعترفتْ بذلك، فَسَرَّهُ. انتهى (?).

وقوله: (لَوْ يُعْطَى) - بضمّ أوله، وفتح ثالثه -، مبنيًّا للمفعول، (النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ) متعلّق بـ "يُعْطى"، والباء سببيّة، و"الناس": اسم وُضع للجمع، كالقوم، والرهط، وواحده إنسانٌ من غير لفظه، مشتقّ من ناس ينُوس: إذا تدلّى، وتحرّك، فيُطلق على الجنّ والإنس، قال تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: 5]، ثمَّ فسّر الناس بالجنّ والإنس، فقال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 6].

(لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ) بتشديد النون، (الْيَمِينَ) بالنصب على أنَّه اسم "لكنّ"، وخبرها قوله: (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ") بصيغة اسم المفعول، ورواه الطبراني من رواية سفيان، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، بلفظ: "البينةُ على المدعِي، واليمين على المدعَى عليه"، وقال: لم يروه عن سفيان إلا الفريابيّ، وأخرجه الإسماعيليّ من رواية ابن جريج، بلفظ: "ولكن البينة على الطالب، واليمين على المطلوب"، وأخرجه البيهقيّ من طريق عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، وعثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة: كنت قاضيًا لابن الزبير على الطائف، فذكر قصة المرأتين، فكتبت إلى ابن عباس، فكتب إليّ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يُعطَى الناس بدعواهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أَنْكَر"، وهذه الزيادة ليست في "الصحيحين"، وإسنادها حسن، قاله في "الفتح" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015