عفيفًا، صلبًا سَئَّالًا عما لا يعلم"، وفي رواية: "محتملًا للأئمة، ولا يكون ضعيفًا مَهِينًا؛ لأنَّ ذلك يبسط المتخاصمين إلى التهاتر، والتشاتم بين يديه"، قال عمر - رضي الله عنه -: لأعزلن فلانًا عن القضاء، ولأستعملن رجلًا إذا رآه الفاجر فَرِقَه.
وله أن ينتهر الخصم إذا التوى، ويصيح عليه، وان استحق التعزير عزّره بما يرى من أدب، أو حبس، وإن افتات عليه بأن يقول: حكمت علي بغير الحق، أو ارتشيت فله تأديبه، وله أن يعفو، وإن بدأ المنكِر باليمين قَطَعها عليه، وقال: البيّنة على خصمك، فإن عاد عزّره إن رأى، وأمثالُ ذلك مما فيه إساءة الأدب فله معاقبة فاعله، وله العفو. ذكره ابن قُدامة - رحمه الله - (?)، وهو بحث نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثامنة): (اعلم): أن الحاكم إذا حضرته قضية تبيّن له حُكمها في كتاب الله تعالى، أو سُنَّة رسوله، أو إجماع، أو قياس جليّ حَكَم، ولم يَحتج إلى رأي غيره؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ، حين بعثه إلى اليمن: "بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد؟ " قال: بسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فإن لم تجد" قال: أجتهد برأيي، قال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا يرضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (?)، فإن احتاج إلى الاجتهاد استُحب له أن يشاور؛ لقول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الآية [آل عمران: 159]. قال الحسن: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغنيًا عن مشاورتهم، وإنما أراد أن يستن بذلك الحكام بعده، وقد شاور النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في أسارى بدر، وفي مصالحة الكفار يوم الخندق، وفي لقاء الكفار يوم بدر. ورُوي: ما كان أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشاور أبو بكر الناس في ميراث الجدة، وعمر في دية الجنين، وشاور الصحابةَ في حدّ الخمر. وروي أن عمر كان يكون عنده جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهم عثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، إذا نزل به الأمر شاوَرهم فيه، ولا مخالِف في استحباب ذلك، قال أحمد: لمّا وَلِي سعْدُ بن إبراهيم قضاء المدينة، كان