لأنَّ الولاية تثبت بالاستفاضة، وبهذا قال الشافعي، إلا أن عنده في ثبوت الولاية بالاستفاضة في البلد القريب وجهين، وقال أصحاب أبي حنيفة: تثبت بالاستفاضة، ولم يفصلوا بين القريب والبعيد؛ لأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولَّى عليًّا، ومعاذًا قضاء اليمن، وهو بعيد من غير شهادة، وولّى الولاة في البلدان البعيدة، وفوّض إليهم الولاية والقضاء، ولم يُشهِد، وكذلك خلفاؤه، ولم يُنقل منهم الإشهاد على تولية القضاء مع بُعد بلدانهم.
واحتجّ الأولون بأن القضاء لا يثبت إلا بأحد الأمرين، وقد تعذرت الاستفاضة في البلد البعيد؛ لعدم وصولها إليه، فتعيّن الإشهاد، ولا نسلّم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُشهد على توليته، فإن الظاهر أنَّه لم يبعث واليًا إلا ومعه جماعة، فالظاهر أنَّه أشهدهم، وعدم نَقْله لا يلزم منه عدم فعله، وقد قام دليله فتعيّن وجوده. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي ما قاله الحنفيّة أرجح؛ لأنه الظاهر، وما ذكره هؤلاء احتمالٌ، ولا ينبغي ترك الظاهر للاحتمال، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(المسألة السابعة): ينبغي أن يكون الحاكم قويًّا، من غير عُنف، ليّنًا من غير ضعف، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، ويكون حليمًا، متأنيًا، ذا فطنة وتيقظ، لا يُؤتَى من غفلة، ولا يُخْدَع لغِرّة، صحيح السمع والبصر، عالمًا بلغات أهل ولايته، عفيفًا ورعًا نزهًا بعيدًا عن الطمع، صدوق اللَّهجة، ذا رأي ومشورة، لكلامه لِيْن إذا قَرُب، وهَيْبة إذا أوعد، ووفاء إذا وعد، ولا يكون جبارًا، ولا عَسُوفًا، فيقطع ذا الحجة عن حجته. قال عليّ - رضي الله عنه -: "لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم". وعن عمر بن عبد العزيز قال: "ينبغي للقاضي أن تجتمع فيه سبع خلال، إن فاتته واحدة كانت فيه وَصْمة: العقل، والفقه، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنن والحكم"، ورواه سعيد، وفيه: "يكونُ فَهِمًا، حليمًا،