(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في اعتبار النصاب لوجوب قطع السارق:
قال ابن قُدامة - رحمه الله -: الشرط الثاني: أن يكون المسروق نصابًا، ولا قطع في القليل، في قول الفقهاء كلهم، إلا الحسن، وداود، وابن بنت الشافعي، والخوارج، قالوا: يُقطع في القليل والكثير؛ لعموم الآية؛ ولِمَا روى أبو هريرة - رضي الله عنه -، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله السارق يَسرِق الحبل، فتقطع يده، ويسرق البيضة، فتقطع يده"، متفق عليه، ولأنه سارق من حرز، فتقطع يده كسارق الكثير.
قال: ولنا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع إلا في ربع دينار، فصاعدًا"، متفق عليه، وإجماعُ الصحابة على ما سنذكره، وهذا يخص عموم الآية، والحبل يَحْتَمِل أن يساوي ذلك، وكذلك البيضة يَحْتَمِل أن يراد بها بيضة السلاح، وهي تساوي ذلك.
واختلفت الرواية عن أحمد في قدر النصاب، الذي يجب القطع بسرقته، فرَوَى عنه أبو إسحاق الْجُوزَجانيّ، أنه ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الوَرِق، أو ما قيمته ثلاثة دراهم، من غيرهما، وهذا قول مالك، وإسحاق.
ورَوَى عنه الأثرم: أنه إن سرق من غير الذهب والفضة ما قيمته ربع دينار، أو ثلاثة دراهم قُطع، فعلى هذا يُقَوَّم غير الأثمان بأدنى الأمرين، من ربع دينار، أو ثلاثة دراهم. وعنه أن الأصل الورق، ويُقَوَّم الذهب به، فإن نَقَص ربع دينار عن ثلاثة دراهم، لم يقطع سارقه، وهذا يُحكى عن الليث، وأبي ثور، وقالت عائشة: "لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا"، ورُوي هذا عن عمر، وعثمان، وعليّ - رضي الله عنهم -، وبه قال الفقهاء السبعة، وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وابن المنذر؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا".
وقال عثمان البتيّ: تقطع اليد في درهم، فما فوقه، وعن أبي هريرة، وأبي سعيد: أن اليد تقطع من أربعة دراهم فصاعدًا، وعن عمر: "أن الخَمْس لا تُقطع إلا في الخَمْس"، وبه قال سليمان بن يسار، وابن أبي ليلى، وابن شُبْرُمة، ورُوي ذلك عن الحسن. وقال أنس: قطع أبو بكر في مجن، قيمته خمسة دراهم، رواه الْجُوزَجانيّ بإسناده. وقال عطاء، وأبو حنيفة، وأصحابه: لا تقطع اليد، إلا في دينار، أو عشرة دراهم؛ لِمَا روى الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن