جاور، كما قال الكثيرون، وإما لكونه حضر غزوة بدر، كما صححه البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو الراجح. (كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي) لم يُعرف اسمه، كما قال صاحب "التنبيه" (?). (بِالسَّوْطِ) بفتح، فسكون: هو الذي يُضرب به، جمعه أسواط، وسِياطٌ، مثل ثوب وأثواب، وثياب (?). (فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي)؛ أي: صوت إنسان من ورائي يقول: ("اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ") منادى بحذف حرف النداء اختصارًا، كما قال الحريري في "ملحته":
وحَذْفُ "يَا" يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ ... كَقَوْلِهِمْ "رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي"
(فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ)؛ أي: لأجل شدّة غضبي على العبد (قَالَ: فَلَمَّا دَنَا)؛ أي: قرُب (مِنِّي إِذَا) فجائيّة؛ أي: ففاجأني (هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإذَا هُوَ يَقُولُ: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ") كرّره للتأكيد عليه (قَالَ) أبو مسعود (فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ")؛ أي: أتمّ، وأبلغ من قدرتك على عبدك هذا؛ يعني: أن قدرة الله على تعذيبك أكثر وأشد من قدرتك على تعذيب هذا العبد.
وفي الحديث هداية بليغة إلى أن الرجل ينبغي له أن يذكر عند سَوْرة غضبه مقامه في الآخرة بين يدي ربّه، ويستحضر ذلك، حين يطلب من الله تعالى العفو والغفران، فمن بذل ذلك لمن هو في قدرته رجا حصول ذلك له من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ومن لم يبذله فرجاؤه على خطر عظيم، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العزيز الحكيم.
(قَالَ) أبو مسعود (فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه الحثّ على الرفق بالمملوك، والوعظ، والتنبيه على استعمال العفو، وكظم الغيظ، والحكم كما يحكم الله تعالى على عباده. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.