وحجتهم ظاهر حديث عمر -رضي الله عنه-، وأجاب الأولون عنه بأنه محمول على الاستحباب؛ أي: يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية. انتهى (?).
وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ومن نذر في حال كفر طاعةً لله عز وجل، ثم أسلم لزمه الوفاء به؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يُطيع الله فليُطعه"، وهو -صلى الله عليه وسلم- مبعوث إلى الجنّ والإنس، وطاعته فرض على كلّ مؤمن، وكافر، من قال غير هذا: فليس مسلمًا، وهذه جملة لم يَختلف فيها أحد ممن يدّعي الإسلام، ثم نقضوا في التفصيل.
ثم أورد بسند مسلم حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيت أمورًا كنت أتحنّث بها في الجاهليّة، من صدقة، أو عَتاقة، أو صِلَة رحم، أفيها أجرٌ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسلمت على ما أسلفت من خير".
ثم أخرج بسنده حديث قصّة عمر -رضي الله عنه- المذكور في الباب: "نذرت نذرًا في الجاهليّة، ثم أسلمت، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فأمرني أن أوفي بنذري"، قال: فهذا حكم لا يسع أحدًا الخروج عنه.
وأورد أيضًا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتّفق عليه، قال: "بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثُمامة بن أُثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد ... " وفيه: "أن ثمامة أسلم بعد أن أطلقه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان من دِين أبغض إلي من دِينك، فأصبح دِينك أحب الدِّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يعتمر ... " الحديث.
قال: فهذا كافر خرج يريد العمرة، فأسلم، فأمره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بإتمام نيّته.
قال: وروينا عن طاوس: من نذر في كفره، ثم أسلم، فَلْيُوفِ بنذره، وعن الحسن، وقتادة نحوه، وبهذا قال الشافعيّ، وأبو سليمان- يعني: داود