قال العلماء: ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولا يمكّنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام، قال الشافعيّ وموافقوه: إلا مكة وحرمها، فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن دخله في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودُفن فيه نُبِش وأخرج، ما لم يتغير، هذا مذهب الشافعيّ، وجماهير الفقهاء.
وجوّز أبو حنيفة دخولهم الحرم، وحجة الجماهير قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، والله أعلم. انتهى (?).
(وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ)؛ أي: أعطوهم، والجائزة: العطية: وقيل: أصله أن ناسًا وَفَدوا على بعض الملوك، وهو قائم على قنطرة، فقال: أجيزوهم، فصاروا يُعطون الرجل، ويطلقونه، فيجوز على القنطرة متوجهًا، فسُمِّيت عطيةُ مَن يَقْدَم على الكبير جائزةً، وتُستعمل أيضًا في إعطاء الشاعر على مدحه، ونحو ذلك.
وقوله: (بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ")؛ أي: بقريب منه، وكانت جائزة الواحد على عهده -صلى الله عليه وسلم- وقيّةً من فضة، وهي أربعون درهمًا، قاله في "الفتح" (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "وأجيزوا الوفد": الوفد: جمع وافد؛ كصحب، وصاحب، وركب، وراكب، وجمع الوفد: أوفاد، ووفود، والوفادة: الاسم، وهو: القادم على القوم، والرسول إليهم، يقال: أو فدته: أرسلته، والإجازة: العطية، وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- عهدٌ ووصيةٌ لولاة المسلمين بإكرام الوفود، والإحسان إليهم، قضاءً لحقّ قصدهم، ورفقًا بهم، واستئلافًا لهم.
قال القاضي أبو الفضل: وسواء في ذلك عند أهل العلم؛ كانوا مسلمين أو كفارًا؛ لأن الكافر إنَّما يَفِدُ في مصالح المسلمين، قال: وهذه سُنَّة لازمة للأمة بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (?).
(قَالَ) سليمان الأحول (وَسَكَتَ)؛ يعني: سعيد بن جبير (عَنِ الثَّالِثَةِ)؛