كتاب الله" لم يُرد أنه يُكْتَفَى به عن بيان السُّنَّة، بل لِمَا قام عنده من القرينة، وخَشِي من الذي يترتب على كتابة الكتاب مما تقدمت الإشارة إليه، فرأى أن الاعتماد على القرآن لا يترتب عليه شيء مما خشيه، وأما ابن عباس، فلا يقال في حقه: لم يكتف بالقرآن، مع كونه حبر القرآن، وأعلم الناس بتفسيره وتأويله، ولكنه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه؛ لكونه أولى من الاستنباط، والله أعلم. انتهى (?).

(أُوصِيكُمْ بِثَلَاثٍ)؛ أي: في تلك الحالة، وهذا يدلّ على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرًا، متحتمًا؛ لأنه لو كان مما أُمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم، ولعاقب الله مَن حال بينه وبين تبليغه، ولبلّغه لهم لفظًا كما أوصاهم بإخراج المشركين، وغير ذلك، وقد عاش بعد هذه المقالة أيامًا، وحفظوا عنه أشياء لفظًا، فيَحْتَمِل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه، والله أعلم، قاله في "الفتح".

قال الجامع: "وهذا يدلّ ... إلخ" هذا مما أجاد فيه الحافظ من تحقيقاته المفيدة، خلاف ما مضى له، مما يُنتقد، ويُتعقّب فيه، فقد أوضح هنا أن ما أراده -صلى الله عليه وسلم- من الكتابة لهم ليس من الأمور المتحتّمة، وإلا لَمَا تركه، وقد عاش بعده نحو أربعة أيام، وحفظ الصحابة خلالها منه سُننًا، فلو كان حتمًا لَمَا أهمله، وهذا هو الذي قرّرناه سابقًا، وهو الحقّ الذي لا نتردّد فيه.

وأما ما ذكره من احتمال أن يكون مجموع هذه الأمور هو الذي أراد أن يكتبه، فمحلّ نظر، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "أوصيكم بثلاث" نصٌّ في أنه -صلى الله عليه وسلم- أوصى عند موته، وهو مخصِّصٌ لقول مَنْ قال: إنه -صلى الله عليه وسلم- لم يوص بشيء، وقد تقدَّم ذلك. انتهى (?).

(أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: يعني بالمشركين: اليهود؛ لأنه ما كان بقي مشرك في أرض العرب في ذلك الوقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015