أعمارهم، ولَمّا يقضوا من ذلك أوطارهم. انتهى (?).
(لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ") البائس: اسم فاعل، من البؤس، وهو الذي عليه أثر البؤس، وهو الفقر، يقال: بَئِسَ يَبْئَسُ، كسَمِعَ يسمع: إذا اشتدّت حاجته.
وقال القرطبيّ رحمه الله: البائس: اسم فاعل من بئس، يبأس: إذا أصابه بؤسٌ، وهو الضرر.
قال: وسعد ابن خولة: هو زوج سُبيعة الأسلمية، وهو رجل من بني عامر بن لؤيّ، من أنفسهم، وقيل: حليف لهم، وقيل: إنه مولى أبي رُهْم بن عبد العزى العامريّ. واختُلِف في أمره؛ فقال ابن مزين، وعيسى بن دينار: إنه لم يهاجر من مكة حتى مات فيها، والأكثر على أنَّه هاجر، ثم رجع إلى مكة مختارًا، وعلى هذين القولين يكون بؤسُه ذمًّا له؛ إما لعدم هجرته، وإما لسقوطها برجوعه عنها، وقال ابن هشام: إنَّه هاجر الهجرة إلى الحبشة، والهجرة الثانية، وشهد بدرًا، وغيرها، وتُوُفّي بمكة في حجة الوداع، وعلى هذا فلا يكون بؤسه ذمًّا له، بل توجُّعًا له ورحمةً؛ إذ كان منه: أنه هاجر الهجرتين، ثم إنَّه مات بعد ذلك بمكة، فيكون إشعارًا بما قدَّمناه من نقص ثواب من اتفق له ذلك، ومن ذلك تحرَّج سعد، والمهاجرون، والله أعلم.
وظاهر هذا القول: أنه من قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك قال المحدِّثون: انتهى كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "لكن البائس سعد ابن خولة"، وأما قوله بعد ذلك: قال: رثى له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن توفي بمكة؛ فظاهره: أنه من كلام غير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقيل: هو قول سعد بن أبي وقاص، وقد جاء ذلك في بعض طرقه، وأكثر الناس على أنَّه من قول الزهريّ، والله تعالى أعلم.
قال: وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث انقطاع في أصل كتاب مسلم، وهو من المواضع المنقطعة الأربعة عشر، لكن لا يضر ذلك إن صحَّ؛ لأنه قد رواه من طُرُق متصلة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).