[تنبيه]: لم يورد المصنّف -رحمه الله- أحاديث الرقبى، بل اقتصر على أحاديث العمرى، وكذلك البخاريّ ما أوردها، ولكن ترجم لها، فقال: "باب ما قيل في الْعُمْرَى، والرُّقْبَى"، قال في "الفتح": ترجم المصنّف -يعني: البخاريّ- بالرقبى، ولم يذكر إلا الحديثين الواردين في العمرى، وكأنه يرى أنهما متحدا المعنى، وهو قول الجمهور، ومنع الرقبى مالك، وأبو حنيفة، ومحمد، ووافق أبو يوسف الجمهور، وقد رَوَى النسائي بإسناد صحيح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا: "العمرى، والرقبى سواء"، وله من طريق إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عطاء، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العمرى والرقبى"، قلت: وما الرقبى؟ قال: يقول الرجل للرجل: هي لك حياتك، فإن فعلتم فهو جائز، هكذا أخرجه مرسلًا، وأخرجه من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر، مرفوعًا: "لا عمرى، ولا رقبى، فمن أَعْمَر شيئًا، أو أرقبه، فهو له حياته ومماته"، رجاله ثقات، لكن اختُلِف في سماع حبيب له من ابن عمر، فصَرَّح به النسائيّ من طريق، ونفاه في طريق أخرى.

قال الماورديّ: اختلفوا إلى ماذا يُوَجَّه النهي؟ والأظهر أنه يتوجه إلى الحكم، وقيل: يتوجه إلى اللفظ الجاهليّ، والحكم المنسوخ، وقيل: النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدةً، أما إذا كان صحة المنهي عنه ضررًا على مُرتكبه فلا يمنع صحته، كالطلاق في زمن الحيض، وصحةُ العمرى ضرر على المعمِر، فإن ملكه يزول بغير عوض، هذا كله إذا حُمِل النهي على التحريم، فإن حُمل على الكراهة، أو الإرشاد لم يُحتج إلى ذلك، والقرينة الصارفة ما ذُكِر في آخر الحديث من بيان حُكمه، ويُصَرّح بذلك قوله: "العمرى جائزة"، وللترمذيّ من طريق أبي الزبير، عن جابر، رفعه: "العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها"، والله أعلم.

قال بعض الحذّاق: إجازة العمرى والرقبى بعيدٌ عن قياس الأصول، ولكن الحديث مقدَّم، ولو قيل بتحريمهما للنهي، وصحتهما للحديث لم يَبْعُد، وكأن النهي لأمر خارج، وهو حفظ الأموال، ولو كان المراد فيهما المنفعة، كما قال مالك، لم يُنه عنهما، والظاهر أنه ما كان مقصود العرب بهما إلا تمليك الرقبة بالشرط المذكور، فجاء الشرع بمراغمتهم، فصحح العقد على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015