ولعقبه"، رواه مسلم، وفي لفظ: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى لمن وُهبت له"، متّفق عليه.
قال: وقد رَوَى مالك حديث العمرى في "موطّئه"، وهو صحيح، رواه جابر، وابن عمر، وابن عبّاس، ومعاوية، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة -رضي الله عنه-.
وقول القاسم لا يُقبل في مخالفة من سمّينا من الصحابة والتابعين، فكيف يُقبل في مخالفة قول سيّد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-؟ ولا يصحّ أن يُدّعَى إجماع أهل المدينة؛ لكثرة من قال بها منهم، وقضى بها طارقٌ بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان.
وقول ابن الأعرابيّ: إنها عند العرب تمليك المنافع، لا يضرّ إذا نقلها الشرع إلى تمليك الرقبة، كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال المنظومة، ونقل الظهار، والإيلاء من الطلاق إلى أحكام مخصوصة.
وقولهم: إن التمليك لا يتأقّت، قلنا: فلذلك أبطل الشرع تأقيتها، وجعلها تمليكًا مطلقًا. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله ببعض تصرّف (?)، وهو تحقيق نفيس جدًّا.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن من هذه التحقيقات كلها أن الأرجح قول أكثر أهل العلم: إن العمرى، والرقبى جائزتان لمن جُعلتا له، ولعقبه بعد موته مطلقًا، سواء ذكر "ولعقبه" أم لا؛ لأن الأدلّة على ذلك صحيحة صريحة، لا يمكن مخالفتها لأجل قول بعض الناس، أو لدليل عقليّ؛ إذ هو في مقابلة الدليل الشرعيّ فاسد الاعتبار.
فأما قول الزهريّ وغيره: إن لم يقل: "ولعقبه" ترجع لصاحبها، فرأي رأوه، فلا يكون حجة.
وأما احتجاجه بعدم قضاء الخلفاء به، فقد عارضه عطاء بن أبي رباح بأن من الخلفاء من قضى به، وهو عبد الملك بن مروان؛ عملًا بحديث جابر -رضي الله عنه-، فقد أخرج النسائيّ بإسناد صحيح، عن قتادة، قال: سألني سليمان بن هشام عن العمرى، فقلت: حدَّث محمد بن سيرين، عن شُريح قال: قضى نبي الله -صلى الله عليه وسلم-