في العُمْرى رواه عنه جماعة، واختلفت ألفاظهم اختلافًا كثيرًا، ثم رواه عن كل واحد من تلك الجماعة قوم آخرون، واختلفوا كذلك، ثم كذلك القول في الطبقة الثالثة، وخَلَط فيه بعضهم بكلام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ما ليس منه، فاضطرب، فضَعُفت الثقة به، مع ما ينضاف إلى ذلك من مخالفته للأصل المعلوم المعمول به من أن الناس على شروطهم في أموالهم، كما قال القاسم بن محمد، وكما دلَّ عليه الحديث المتقدم في الشروط، وينضاف إلى ذلك أن الناس تركوا العمل به؛ كما قال محمد بن أبي بكر، فتعيَّن تركه، كما قاله مالك: ليته مُحِي، ووجب التمسك بأصل وضع العُمْرى، كما تقدَّم، وبالأصل المعلوم من الشريعة: من أن الناس على ما شرطوه في أعطياتهم، وهُو القول الأول، وليس على غيره معوَّل.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره القرطبيّ من الطعن في حديث جابر -رضي الله عنه- بالاضطراب، وضعف الثقة به، والتمسّك بالأصل المعلوم إلى آخر كلامه غريب منه، كيف يضعّف حديثًا صحيحًا، ويدّعي ضعف الثقة به، والتمسّك بالأصل، مع أن الاضطراب بعيد عنه، ولذا أخرجه أصحاب الصحاح بألفاظ متقاربة، وأيضًا لا ينافي التمسّك بالأصل، فكيف يدّعي ما قاله؟ ، والغريب أنه بعد هذا سلك مسلك الجمع بين تلك الروايات التي ادّعى اضطرابها، فناقض آخر تحقيقه ما ادّعاه أوّلًا، إن هذا لهو العجب العُجاب.

قال: وإذا تقرر ذلك فلنبيِّن وجه ردِّ تلك الروايات إلى ما قررناه.

فأمَّا قوله: "وإنها لا ترجع إلى صاحبها، من أجل: أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث"، فيعني به: أنه لما جعلها للعقب؛ فالغالب أن العقب لا ينقطع، فلا تعود لصاحبها لذلك.

وأمَّا قوله: "وقعت فيه المواريث"، فإن سلَّمنا أنه من قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فمعناه -والله أعلم- أنَّها لما كانت تنتقل للعقب بحكم تلقيهم عن مورِّثهم، ويشتركون في الانتفاع بها أشبهت المواريث، فأطلق عليها ذلك.

وأمَّا قوله: "أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها"، فإنه من باب الإرشاد إلى الأصلح؛ لأن الإعمار يمنع المالكَ من التصرف فيما يملكُ رقبته آمادًا طويلة، لا سيما إذا قال: هي لك ولعقبك؛ فإن الغالب: أنها لا ترجع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015