قديمًا وحديثًا، فمنهم من أسقط الإخوة بالجدِّ مطلقًا، كما يسقطون بالأب وهذا قولُ الصديق، ومعاذٍ، وابن عباس وغيرهم، واستدلُّوا بأنَّ الجدَّ أبٌ في كتاب الله عزَّ وجلَّ، فيدخلُ في مسمَّى الأب في المواريث، كما أنَّ ولدَ الولدِ ولدٌ، ويدخُل في مسمّى الولد عندَ عدم الولد بالاتفاق، وبأنَّ الإخوةَ إنَّما يرثون مع الكَلالة، فيحجبُهُم الجدُّ كالإخوة من الأب، وبأنَّ الجدَّ أقوى من الإخوة، لاجتماعِ الفَرضِ والتَّعصيب له من جهةٍ واحدةٍ، فهو كالأب، وحينئذٍ، فيدخلُ في عمومِ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فما بقي، فلأَوْلَى رجلٍ ذكرٍ".

ومنهم من شرَّك بَينَ الإخوة والجدّ وهو قولُ كثيرٍ من الصحابة، وأكثرُ الفقهاء بعدهم على اختلاف طويل بينهم في كيفية التشريك بينهم في الميراث، وكان مِنَ السَّلف مَنْ يتوقَّف في حكمهم ولا يُجيب فيهم بشيءٍ؛ لاشتباه أمرهم وإشكاله، ولولا خشيةُ الإطالة لبسطنا القولَ في هذه المسألة، ولكن ذلك يؤدِّي إلى الإطالة جدًا.

وأما حكمُ ميراث الإخوة للأبوين أو للأب، فقد ذكره الله تعالى في آخر "سورة النساء" في قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] والكَلالةُ مأخوذة من تكلُّلِ النسب وإحاطته بالميت، وذلك يقتضي انتفاءَ الانتساب مطلقًا من العمودين الأعلى والأسفل، وتنصيصُه تعالى على انتفاء الولد تنبيهٌ على انتفاء الوالد بطريق الأولى؛ لأنَّ انتسابَ الولد إلى والده أظهرُ من انتسابه إلى ولده، فكان ذكرُ عدم الولد تنبيهًا على عدم الوالد بطريق الأولى، وقد قال أبو بكر الصديق: الكلالةُ: مَنْ لا وَلَدَ له ولا والد، وتابعه جمهورُ الصحابة والعلماء بعدهم، وقد رُوي ذلك مرفوعًا من مراسيل أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، خرَّجه أبو داود في "المراسيل"، وخرَّجه الحاكم من روايةٍ عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، وصححه، ووصلُه بذكر أبي هريرة ضعيفٌ (?).

فقوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}؛ يعني:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015