مسعود -رضي الله عنه- في مسألة ثلث الباقي: ما كان الله لِيَريَنِّي أن أفضّل أمًّا على أب، غير أن الوالد لمّا اعتبر فَضَّله مرة بجمعه بين العصوبة والفرض، ولم يعتبر ثانيًا بتضاعف نصيبه أيضًا، فإنه غمط لحقّ سائر الورثة، وأولاد الأم ليس للذكر منهم حماية للبيضة، ولا ذبّ عن الذمار، فإنهم من قوم آخرين، فلم يُفَضَّل على الأنثى، وأيضًا فإن قرابتهم منشعبة من قرابة الأم، فكأنهم جميعًا إناث.
ومنها: أنه إذا اجتمع جماعة من الورثة، فإن كانوا في مرتبة واحدة، وجب أن يوزع عليهم؛ لعدم تقدم واحد منهم على الآخر، وإن كانوا في منازل شتى، فذلك على وجهين، إما أن يعمهم اسم واحد، أو جهة واحدة، والأصل فيه أن الأقرب يحجب الأبعد حرمانًا؛ لأن التوارث إنما شرع حثًّا على التعاون، ولكل قرابة وتعاون، كالرفق فيمن يعمهم اسم الأم، والقيام مقام الرجل فيمن يعمهم اسم الابن، والذبّ عنه، فيمن يعمهم اسم العصوبة، ولا تتحقق هذه المصلحة إلا بأن يتعيّن من يؤاخذ نفسه بذلك، ويلام على تركه، ويتميز مِنْ سائر مَن هنالك بالنّبل، إما فضل سهم على سهم، فلا يجدون له كثير بال، أو تكون أسماؤهم وجهاتهم مختلفة، والأصل فيه أن الأقرب، والأنفع فيما عند الله مِنْ عِلْم المظانّ الغالبية، يحجب الأبعد نقصانًا.
ومنها: أن السهام التي تعيّن بها الأنصباء يجب أن تكون أجزاؤها ظاهرة يتميزها بادئ الرأي المحاسب وغيره، وقد أشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" إلى أن الذي يليق أن يخاطب به جمهور المكلفين هو ما لا يحتاج إلى تعمق في الحساب، ويجب أن يكون بحيث يظهر فيها ترتيب الفضل والنقصان بادئ الرأي، فآثر الشرع من السهام فصلين: الأول الثلثان والثلث والسدس، والثاني النصف والربع والثمن، فإن مخرجهما الأصليّ أولًا الأعداد، ويتحقق فيهما ثلاث مراتب، بَيْن كل منها نسبة الشيء إلى ضعفه، ترفعًا، ونصفه تنزلًا، وذلك أدنى أن يظهر فيه الفضل والنقصان محسوسًا متبينًا، ثم إذا اعتُبر فضلٌ ظهرت نسب أخرى لا بد منها في الباب؛ كالشيء الذي زيد على النصف، فلا يبلغ التمام، وهو الثلثان، والشيء الذي ينقص عن النصف، ولا يبلغ الربع، وهو الثلث، ولم يعتبر الخمس والسبع؛ لأن تخريج مخرجهما أدقّ، والترفع والتنزل فيهما يحتاج إلى تعمق في