وقال ميمون بن مهران: لا يسلم للرجل الحلالُ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال.
وقال سفيان بن عيينة: لا يصيب عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبينَ الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدعَ الإثم وما تشابه منه.
وَيَستدِلُّ بهذا الحديثِ مَنْ يذهب إلى سدِّ الذرائع إلى المحرَّمات وتحريم الوسائل إليها، وَيدُلُّ على ذلك أيضًا من قواعدِ الشَّريعة تحريمُ قليلِ ما يُسكر كثيرُه، وتحريمُ الخلوة بالأجنبية، وتحريمُ الصَّلاة بعد الصُّبح وبعدَ العصرِ سدًّا لذريعة الصَّلاة عند طُلوع الشَّمس وعندَ غروبها، ومنعُ الصَّائم من المباشرة إذا كانت تحرِّكُ شهوتَه، ومنع كثيرٍ من العلماءِ مباشرةَ الحائضِ فيما بين سرّتها ورُكبتها إلا مِنْ وراء حائلٍ، كما كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يأمر امرأتَه إذا كانت حائضًا أنْ تَتَّزر، فيباشِرُها مِنْ فوق الإزار، متّفقٌ عليه.
ومن أمثلة ذلك وهو شبيه بالمثل الذي ضربه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: من سيَّب دابَّته ترعى بقُرْب زرع غيرِه، فإنَّه ضامن لما أفسدته من الزرع، ولو كان ذلك نهارًا، وكذا الخلاف لو أرسل كلبَ الصَّيدِ قريبًا من الحرم، فدخل الحرمَ فصاد فيه، ففي ضمانه روايتان عن أحمد، وقيل: يضمنه بكلِّ حال، ذكر هذا كلّه ابن رجب رحمه الله (?)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب"، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فيه إشارةٌ إلى أنَّ صلاحَ حركاتِ العبدِ بجوارحه، واجتنابه للمحرَّمات واتَّقاءه للشُّبهات بحسب صلاحِ حركةِ قلبِه.
فإنْ كان قلبُه سليمًا، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يُحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركاتُ الجوارح كلّها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرَّمات كلها، وتَوَقٍّ للشبهات حذرًا مِنَ الوقوعِ في المحرّمات.
وإنْ كان القلبُ فاسدًا، قدِ استولى عليه اتباعُ هواه، وطلب ما يحبُّه، ولو