مثلًا"، ثم ذكر هذا الكلامَ، فجعل النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مثلَ المحرمات كالحِمى الذي تحميه الملوكُ، ويمنعون غيرهم من قُربانه، وقد جعل النَّبي -صلى الله عليه وسلم- حول مدينته اثني عشر ميلًا حمى محرَّمًا لا يُقطعُ شجرُه ولا يُصادُ صيدُه، رواه مسلم، وحمى عمرُ وعثمان أماكنَ ينبت فيها الكلأ لأجل إبل الصدقة، رواه البخاريّ.

والله عز وجل حمى هذه المحرَّمات، ومنع عباده من قربانها وسمَّاها حدودَه، فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] وهذا فيه بيان أنَّه حدَّ لهم ما أحلَّ لهم وما حرَّم عليهم، فلا يقربوا الحرامَ، ولا يتعدَّوا الحلال، ولذلك قال في آية أخرى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] وجعل من يرعى حول الحمى، أو قريبًا منه جديرًا بأنْ يَدخُلَ الحِمى ويرتع فيه، فكذلك من تعدَّى الحلال، ووقع في الشبهات، فإنَّه قد قارب الحرام غايةَ المقاربة، فما أخلقَهُ بأنْ يُخالِطَ الحرامَ المحضَ، ويقع فيه، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه ينبغي التباعد عن المحرَّماتِ، وأنْ يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزًا.

وقد خرّج الترمذيّ، وابن ماجه مِنْ حديثِ عبد الله بن يزيد، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبلغُ العبدُ أنْ يكونَ من المتَّقين حَتّى يَدَعَ ما لا بأسَ به حذرًا مما به بأسٌ" (?).

وقال أبو الدرداء: تمامُ التقوى أنْ يتقي الله العبدُ، حتّى يتقيَه مِنْ مثقال ذرَّة، وحتّى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلال، خشيةَ أنْ يكون حرامًا، حجابًا بينه وبينَ الحرام.

وقال الحسنُ: ما زالتِ التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام.

وقال الثوريّ: إنما سُمّوا المتقين؛ لأنَّهم اتَّقَوْا ما لا يُتَّقى، وروي عن ابن عمر قال: إنِّي لأحبُّ أنْ أدعَ بيني وبين الحرام سترةً من الحلال لا أخرقها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015