القلب، والحثّ على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرًا فيه، والمراد: المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه.
ويُسْتَدَلّ به على أن العقل في القلب، ومنه قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ} [الحجّ: 46] وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] قال المفسرون: أي عقل، وعبّر عنه بالقلب؛ لأنه محل استقراره.
[فائدة]: قال في "الفتح": لم تقع هذه الزيادة التي أوّلها: "ألا وإن في الجسد مضغةً" إلا في رواية الشعبيّ، ولا هي في أكثر الروايات عن الشعبيّ، إنما تفرد بها في "الصحيحين" زكريا بن أبي زائدة عنه، وتابعه مجاهد عند أحمد، ومغيرة وغيره عند الطبرانيّ، وعَبَّر في بعض رواياته عن الصلاح والفساد بالصحة والسقم، ومناسبتها لِمَا قبلها بالنظر إلى أن الأصل في الاتّقاء والوقوع هو ما كان بالقلب؛ لأنه عماد البدن. انتهى (?).
وقوله: (ألَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قال القرطبي رحمه الله: هذا اللفظ في الأصل مصدر قَلَبْتُ الشيءَ، أقلبه قلبًا: إذا رددته على بدأته، وقَلَبتُ الإناءَ: إذا رددته على وجهه، وقلبتُ الرَّجُلَ عن رأيه: إذا صرفته عنه، وعن طريقه كذلك، ثم نُقِل هذا اللفظ، فسُمِّي به هذا العضو الذي هو أشرف أعضاء الحيوان؛ لسرعة الخواطر فيه، ولترددها عليه، وقد نظم بعض الفضلاء هذا المعنى فقال [من البسيط]:
مَا سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ ... فَاحْذَرْ عَلَى الْقَلْبِ من قَلْبٍ وتَحْوِيلِ (?)
ثم لما نَقَلت العرب هذا المصدر لهذا العضو التَزَمَت فيه تفخيم قافه؛ تفريقًا بينه وبين أصله، وليحذر اللبيب من سرعة انقلاب قلبه؛ إذ ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم، وما يعقلها إلا كل ذي فهم مستقيم. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.