الشام فاشتريت منه أبعرة، وفرغت من شرائها، فقام إليّ رجل، فأربحني فيها ربحًا، فبسطت يدي لأبايعه، فإذا رجل ياخذني من خلفي، فنظرت فإذا زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، فقال: لا تبعه حتى تنقله إلى رحلك؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك.

فإذا تقرر هذا، فإن قَبْضَها نَقْلُها، كما جاء في الخبر، ولأن القبض لو لم يعيَّن في الشرع، لوجب رده إلى العرف، كما قلنا في الإحياء، والإحراز، والعادةُ في قبض الصبرة النقل. انتهى كلام ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ - (?).

قال الجامع عفا الله تعالى منه: قد تبيّن بما ذُكر أن الصواب منع بيع المشترى جزافًا، حتى يتمّ القبض بنقله من مكانه إلى مكان آخر؛ لصحّة الأحاديث بذلك، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: لا يحل لبائع الصبرة أن يَغُشها بأن يجعلها على دَكّة، أو رَبْوَة، أو حجر ينقصها، أو يجعل الرديء في باطنها، أو المبلول، ونحو ذلك؛ لما رَوَى أبو هريرة - رضي الله عنه -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرّ على صبرة من طعام، فأدخل يده، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "يا صاحب الطعام ما هذا؟ " قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام، حتى يراه الناس؟ "، ثم قال: "من غشنا فليس منا"، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

فإذا وُجد ذلك ولم يكن المشتري علم به، فله الخيار بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما؛ لأنه عيب، وإن بان تحتها حُفْرة، أو بان باطنها خيرًا من ظاهرها، فلا خيار للمشتري؛ لأنه زيادة له، وإن علم البائع ذلك، فلا خيار له؛ لأنه دخل على بصيرة به، وإن لم يكن علم فله الفسخ، كما لو باع بعشرين درهمًا، فَوَزَنها بصَنْجَة، ثم وجد الصنجة زائدة، كان له الرجوع، وكذلك لو باع بمكيال، ثم وجده زائدًا، وَيحتَمِل أنه لا خيار له؛ لأن الظاهر أنه باع ما يعلم، فلا يثبت له الفسخ بالاحتمال، قاله ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ - (?)، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015