مشاهدة باطن الصبرة، فإن ذلك يشق؛ لكون الحَبِّ بعضه على بعض، ولا يمكن بسطها حبة حبة، ولأن الحَبّ تتساوى أجزاؤه في الظاهر، فاكتُفي برؤية ظاهره بخلاف الثوب، فإن نشره لا يَشُقّ، ولم تختلف أجزاؤه، ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة؛ لأنه عَلِمَ ما اشترى بأبلغ الطرق، وهو الرؤية، وكذلك لو قال: بعتك نصف هذه الصبرة، أو ثلثها، أو جزءًا منها معلومًا جاز؛ لأن ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه؛ كالحيوان، ولأن جملتها معلومة بالمشاهدة، فكذلك جزؤها، قال ابن عقيل: ولا يصح هذا، إلا أن تكون الصبرة متساوية الأجزاء، فإن كانت مختلفة، مثل صبرة بَقّال القرية لم يصح، ويَحْتَمِل أن يصح؛ لأنه يشتري منها جزءًا مشاعًا، فيستحق من جيدها ورديئها بقسطه.

ولا فرق بين الأثمان والْمُثْمَنات في صحة بيعها جزافًا، وقال مالك: لا يجوز في الأثمان؛ لأن لها خطرًا، ولا يشق وزنها ولا عددها، فأشبه الرقيق والثياب، ولنا أنه معلوم بالمشاهدة، فأشبه المثمنات، والنقرةَ والْحَلْيَ، ويبطل بذلك ما قاله، أما الرقيق فإنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم، ولم يَعُدّهم، وكذلك الثياب إذا نشرها، ورأى جميع أجزائها. انتهى كلام ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ - (?)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم بيع ما اشتُري جِزَافًا قبل نقله من مكانه:

قال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: إذا اشترى الصُّبْرة جِزَافًا، لم يجز له بيعها حتى ينقلها، نصّ عليه أحمد في رواية الأثرم، وعنه رواية أخرى: له بيعها قبل نقلها، اختارها القاضي، وهو مذهب مالك؛ لأنه مبيع متعيّن لا يحتاج إلى حق توفية، فأشبه الثوب الحاضر، ولنا قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنا نشتري الطعام من الركبان جِزافًا، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه"، وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه"، متّفقٌ عليه، مع ما ذكرنا من الأخبار، ورَوَى الأثرم بإسناده عن عُبيد بن حنين، قال: قدم زيتٌ، من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015