قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم في أوائل البيوع أن اشتراط الصيغة في العقد، قول لا يؤيّده دليلٌ، فلا يُلتفت إليه، ثم إن تفسير الملامسة بهذا التفسير الثاني غير صحيح؛ لأنه بعيد عن التفسير المذكور في الحديث، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: ومأخذ الثالث شرط نفي خيار المجلس، وهذه الأقوال، هي التي اقتصر عليها الفقهاء، ويخرج مما ذكرناه من طريق الحديث زيادة على ذلك.
وأما المنابذة، فاختلفوا فيها أيضًا على ثلاثة أقوال، وهي أوجه للشافعية:
[أصحها]: أن يَجعلا نفس النبذ بيعًا، كما تقدم في الملامسة، وهو الموافق للتفسير في الحديث المذكور.
[والثاني]: أن يجعلا النبذ بيعًا بغير صيغة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد عرفت ما فيه فيما ذكرته آنفًا.
[والثالث]: أن يجعلا النبذ قاطعًا للخيار، واختلفوا في تفسير النبذ، فقيل: هو طرح الثوب، كما وقع تفسيره في الحديث المذكور، وقيل: هو نبذ الحصاة، والصحيح أنه غيره، وقد روى مسلم النهي عن بيع الحصاة، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب التالي، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه، وقد تقدّم تخريجه في الحديث الأول في الباب.
[تنبيه]: قال في "الفتح": حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أخرجه البخاريّ عنه من طُرُق، ثالثها طريق حفص بن عاصم، عنه، وهو في "مواقيت الصلاة"، ولم يذكر في شيء من طُرُقه عنه تفسير المنابذة والملامسة، وقد وقع تفسيرهما في رواية مسلم، والنسائيّ، وظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع، لكن وقع في رواية النسائيّ ما يشعر بأنه من كلام من دون النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولفظه: وزعم أن الملامسة أن يقول إلخ، فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابيّ؛