بيده بالليل، أو بالنهار، ولا يَقْلِبُهُ إلا بذلك" (وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ) بكسر الموحّدة، من باب ضرب؛ أي: يُلقي (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الآخَر، وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ) وفي حديث أبي سعيد: "والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما، من غير نظر، ولا تراض"؛ أي: بلا تأمل ورضًا بعد التأمل.
وفي رواية حفص بن عاصم، عن أبي هريرة: "وزعم أَنّ الملامسة أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر، ولكن يَلْمُسُه لمسًا، والمنابذة أن يقول: أَنبِذُ ما معي، وتَنبِذُ ما معك، ليشتري كل واحد منهما من الآخر، ولا يَدرِي كل واحد منهما، كم مع الآخر؟ ونحو من هذا الوصف".
قال الحافظ - رحمه الله -: وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة؛ لأنها مفاعلة، فتستدعي وجود الفعل من الجانبين.
قال: واختَلَف العلماء في تفسير الملامسة، على ثلاث صور، وهي أوجه للشافعية: "
[أصحها]: أن يأتي بثوب مَطْوِيّ، أو في ظلمة، فيَلمِسَهُ المستام، فيقول له صاحب الثوب: بِعْتَكَه بكذا، بشرط أن يقوم لَمْسُك مقام نظرك، ولا خيار لك، إذا رأيته، وهذا موافق للتفسيرين اللذين في الحديث.
[الثاني]: أن يَجعلا نفس اللمس بيعًا، بغير صيغة زائدة.
[الثالث]: أن يَجعلا اللمس شرطًا في قطع خيار المجلس وغيره، والبيعُ على التأويلات كلها باطل، ومأخذ الأول عدم شرط رؤية المبيع، واشتراط نفي الخيار، ومأخذ الثاني اشتراط نفي الصيغة، في عقد البيع، فيؤخذ منه بطلان بيع المعاطاة مطلقًا، لكن من أجاز المعاطاة قيّدها بالمحقّرات، أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة، وأما الملامسة، والمنابذة عند من يستعملهما، فلا يخصهما بذلك، فعلى هذا يجتمع بيع المعاطاة مع الملامسة والمنابذة، في بيع صور المعاطاة، فلمن يجيز بيع المعاطاة أن يخص النهي في بعض صور الملامسة والمنابذة، عما جرت العادة فيه بالمعاطاة، وعلى هذا يُحمل قول الرافعي: إن الأئمة أجروا في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة، والله أعلم.