قال: والأصل في جواز البيع قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} الآية [البقرة: 275]، وللعلماء في هذه الآية أقوال: أصحها أنه عامّ مخصوص، فإن اللفظ لفظ عموم، يتناول كل بيع، فيقتضي إباحة الجميع، لكن قد مَنَع الشارع بيوعًا أخرى، وحرّمها، فهو عام في الإباحة، مخصوص بما لا يدل الدليل على منعه، وقيل: عام أريد به الخصوص، وقيل: مجملٌ، بَيّنَتْه السنة، وكل هذه الأقوال تقتضي أن المفرد المحلى بالألف واللام يعمّ، والقول الرابع: أن اللام في {الْبَيْعَ} للعهد، وإنها نزلت بعد أن أباح الشرع بيوعًا، وحرم بيوعًا، فأريد بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أي: الذي أحله الشرع من قبلُ، ومباحث الشافعيّ وغيره، تدلّ على أن البيوع الفاسدة، تسمى بيعًا، وإن كانت لا يقع بها الحنث؛ لبناء الأيمان على العرف، قال: وقوله - عز وجل -: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} الآية [البقرة: 282] تدلّ على إباحة التجارة في البيوع الحالّة، ويدلّ أول الآية - يعني آية المداينة - في البيوع المؤجلة. انتهى من "الفتح" بتصرّف (?).
وقال الإمام ابن قُدامة - رحمه الله -: البيع مبادلة المال بالمال، تمليكًا وتملُّكًا، واشتقاقه من الباع؛ لأن كل واحد من المتعاقدين يَمُدّ باعه للأخذ والإعطاء، ويَحْتَمِل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه؛ أي: يصافحه عند البيع، ولذلك سُمّي البيع صفقة، وقال بعض أصحابنا: هو الإيجاب والقبول، إذ تضمَّن عينين للتمليك، وهو حدّ قاصر؛ لخروج بيع المعاطاة منه، ودخول عقوب سوى البيع فيه.
والبيع جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب، فقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} الآية [البقرة: 275]، ، وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية [البقرة: 282]، وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} الآية [النساء: 29] وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، وروى البخاري، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: كانت عُكاظ، ومَجَنَّةُ، وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا فيه،