حديث من طريق ابن وهب، عنه، وهذا يدلّ على أن الشيخين يريان إلى أنه عند الزهريّ، عن سعيد، وأبي سلمة معًا، قال الحافظ: ويؤيده رواية يحيى بن الضحاك، عن الأوزاعيّ، عن الزهريّ، عنهما جميعًا، وقد أطلق الدارقطنيّ أن المحفوظ رواية مالك، ومن تابعه، وهو محمول على العمل بالترجيح، وأما طريق الجمع فهو ما صنعه الشيخان، ويتأيّد أيضًا بأن عُقيلًا رواه عن الزهريّ، قال: بلغنا عن أبي هريرة، فإن ذلك يُشعر بأنه عنده عن غير واحد، وإلا لو كان عن واحد فقط، كسعيد مثلًا لاقتصر عليه. انتهى (?).
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ) - بفتح الفاء، وبالزاي، وبعد الألف راء مهملة - وللبخاريّ: "أن رجلًا أتى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، وفي رواية له: "جاء أعرابيّ"، وللنسائيّ: ي جاء رجل من أهل البادية"، وكذا في رواية أشهب، عن مالك، عند الدارقطنيُّ، وفي رواية ابن وهب عند أبي داود: "أن أعرابيًّا من بني فزارة".
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: واسم هذا الأعرابي ضمضم بن قتادة، أخرج حديثه عبد الغنيّ بن سعيد في "المبهمات" له، من طريق قُطبة بنت عمرو بن هَرِم؛ أن مدلوكًا حدّثها أن ضمضم بن قتادة، وُلد له مولود أسود، من امرأة من بني عِجْل، فشكا النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "هل لك من إبل؟ " (إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وفي رواية ابن أبي ذئب: "صَرَخَ بالنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (فَقَالَ: "إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ) قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَمْ أقف على اسم المرأة، ولا على اسم الغلام، وزاد في رواية يونس: "وإني أنكرته"؛ أي: استنكرته بقلبي، ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه، وإلا لكان تصريحًا بالنفي، لا تعريضًا، ووجه التعريض أنه قال: غلامًا أسود؛ أي: وأنا أبيض، فكيف يكون مني؟
ووقع في رواية معمر، عن الزهريّ في الرواية التالية: "وهو حينئذ يُعَرِّض بأن ينفيه"، ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف ليعس قذفًا، وبه قال الجمهور، واستدلّ الشافعيّ بهذا الحديث لذلك، وعن المالكية: يجب به الحدّ، إذا كان مفهومًا، وأجابوا عن الحديث بما سيأتي بيانه في آخر شرحه.