رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ، فحذفت "كان"، فانفصل الضمير المتّصل بها، وهو التاء، فصار "أن أنت طلّقت" ثم أُتي بـ "ما" عِوَضًا عن "كان"، فصار "أن ما أنت طلّقت"، ثم أدغمت النون في الميم، فصار "أَمَّا أنت طلّقت"، ومثله قول الشاعر [من الطويل]:

أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ ... فَإنَّ قَوْمِيَ لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ

فـ "أن" مصدريّة، و"ما" زائدة عوضًا عن "كان"، و"أنت" اسم "كان" المحذوفة، و"ذا نفر" خبرها، ولا يجوز الجمع بين "كان" و"ما"؛ لكون "ما" عوضًا عنها، ولا يُجمع بين العوض والمعوّض، وأجازه المبرّد، وإلى هذه القاعدة أشار ابن مالك - رحمه الله - في "الخلاصة" حيث قال:

وَبَعْدَ "أَنْ" تَعْويضُ "مَا" عَنْهَا ارْتُكِبْ ... كَمِثْلِ "أَمَّا أَنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ"

هذا الذي ذكرته هو الجاري على القاعدة المذكورة في كتب النحاة، وأما ما قاله القرطبيّ في "المفهم" من أنّ "إِمّا" بكسر الهمزة ففيه نظر لا يخفى، فتأمّل.

وقوله: (فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَنِي بِهَذَا) هذا تعليل للجواب المقدّر، والأصل: أمّا أنت طلّقت امرأتك مرةً أو مرتين، فراجعها، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ؛ أي: لأنه أمرني بذلك.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقوله: "فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَنِي بِهَذَا" إشارة إلى أمره له بالمراجعة، فكأنه قال للسائل: إن طلقت تطليقةً، أو تطليقتين، فأنت مأمور بالمراجعة لأجل الحيض، وإن طلّقت ثلاثًا لم تكن لك مراجعة؛ لأنها لا تحلّ لك إلا بعد زوج. انتهى (?).

وقوله: (وَعَصَيْتَ اللهَ) إلخ قال القرطبيّ: يعني بالطلاق ثلاثًا في كلمة واحدة، وظاهره أنه محرَّمٌ، وهو قول ابن عبّاس المشهور عنه، وعمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، وإليه ذهب مالك، وقال الكوفيّون: إنه غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015