يُجبر على الرجعة، فمان امتنع أدّبه الحاكم، فإن أصرّ ارتجع عليه، وهل يجوز له وطؤها بذلك؟ روايتان لهم، أصحّهما الجواز، وعن داود يجبر على الرجعة إذا طلّقها حائضًا، ولا يُجبر إذا طلّقها نفساء، وهو جمود، ذكره في "الفتح" (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وقوع الطلاق في الحيض: قال النوويّ - رحمه الله -: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلّقها أَثِم، ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة؛ لحديث ابن عمر المذكور في الباب، وشذّ بعض أهل الظاهر، فقال: لا يقع طلاقه؛ لأنه غير ماذون له فيه، فأشبه طلاق الأجنبيّة، والصواب الأول، وبه قال العلماء كافّةً، ودليلهم أمره بمراجعتها، ولو لم يقع لم تكن رجعة.
[فإن قيل]: المراد بالرجعة الرجعة اللغويّة، وهي الرّدّ إلى حالها الأول، لا أنه تحسب عليه طلقةٌ.
[قلنا]: هذا غلطٌ لوجهين:
[أحدهما]: أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعيّة يُقدّم على حمله على الحقيقة اللغويّة، كما تقرّر في أصول الفقه.
[الثاني]: أن ابن عمر صرّح في روايات مسلم وغيره بأنه حسبها عليه طلقة. انتهى.
وقال في "الفتح": قال النوويّ: شذّ بعض أهل الظاهر، فقال: إذا طلّق الحائض لم يقع الطلاق لأنه غير مأذون فيه، فأشبه طلاق الأجنبيّة، وحكاه الخطابيّ عن الخوارج والروافض، وقال ابن عبد البرّ: لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال - يعني الآن. قال: وروي مثله عن بعض التابعين، وهو شذوذ، وحكاه ابن العربيّ وغيره عن ابن عُليّة - يعني إبراهيم بن إسماعيل بن عليّة الذي قال الشافعيّ في حقّه: إبراهيم ضالٌّ، جلس في باب الضوالّ يُضلّ الناس، وكان بمصر، وله مسائل ينفرد بها، وكان من فقهاء المعتزلة. وقد غَلِطَ من ظنّ أن المنقول عنه المسائل الشاذّة أبوه، وحاشاه، فإنه من كبار أهل