تَنْكِحَ} معناه حتّى تتزوّج؛ أي: يعقد عليها، ومفهومه أن ذلك كافٍ بمجرّده، لكن بيّنت السنّة أن لا عبرة بمفهوم الغاية، بل لا بدّ بعد العقد من ذوق العُسَيلَة، كما أنه لا بُدّ بعد ذلك من التطليق، ثم العدّة.

نعم أفاد أبو الحسين بن فارس أن النكاح لم يَرِد في القرآن إلا للتزويج، إلا في قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} الآية [النساء: 6]، فإن المراد به الْحُلُم، والله أعلم.

وفي وجه للشافعيّة؛ كقول الحنفيّة أنه حقيقة في الوطء، مجازٌ في العقد، وقيل: مقولٌ بالاشتراك على كلّ منهما، وبه جزم الزّجّاجيّ، قال الحافظ: وهذا الذي يترجّح في نظري، وإن كان أكثر ما يُستعمل في العقد، ورجّح بعضهم الأول بأن أسماء الجماع كلّها كنايات؛ لاستقباح ذكره، فيبعُدُ أن يستعير من لا يقصد فحشًا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه، فدلّ على أنه في الأصل للعقد، وهذا يتوقّف على تسليم المدّعَى أنها كلّها كنايات، وقد جمع اسم النكاح ابن القطّان، فزادت على الألف. انتهى (?).

وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله - في "المغني": النكاح في الشرع: هو عقد التزويج، فعند إطلاق لفظه يَنصرف إليه، ما لم يَصرفه عنه دليلٌ، وقال القاضي: الأشبه بأصلنا أنه حقيقةٌ في العقد والوطء جميعًا؛ لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج؛ لدخوله في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية [النساء: 22].

وقيل: بل هو حقيقة في الوطء، مجاز في العقد، تقول العرب: أَنكَحْنا الفَرَا، فسنَرَى؛ أي: أضربنا فحل حمر الوحش أمَّه، فسنرى ما يتولّد منهما، يُضرب مثلًا للأمرين يجتمعون عليه، ثم يتفرّقون عنه، وقال الشاعر [من الطويل]:

وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْنَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى خَالٍ وَعَمٍّ تَلَهَّفُ

والصحيح ما قلنا؛ لأن الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب، والسنّة، ولسان أهل العرف، وقد قيل: ليس في الكتاب لفظ نكاح بمعنى الوطء، إلا قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]؛ ولأنه يصحّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015