قال الجامع عفا الله تعالى عنه: (اعلم): أنه جرى للمصنفين في ابتداء مصنّفاتهم به اختيارات، ولكلٍّ وِجهة هو مولّيها، وأنسب ما يُوَجّهُ به بداية الإمام مسلم رحمه الله بـ"كتاب الإيمان" أن يقال: رأى الإيمانَ شرطًا في الأعمال؛ لأنها بدونه هَبَاءً مَنْثُورًا كما قال عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]، فرأى تقديمه أحقّ من غيره.
[فإن قلت]: كيف يصدق أنه ابتدأ بـ "كتاب الإيمان"، وقد كتب مقدمَةً ضمّنها مسائل عديدةً، من مباحث علم الجرح والتعديل، وغير ذلك من العرائس النفاس؟
[أجيب]: بأن المعتبر في البداية إنما هو المقصود بالوضع أولًا لذات، والمقصود بالذات إنما هو "كتاب الإيمان" فما بعده، وأما ما قدّمه من المسائل، فإنها مقصودة بالعرض؛ لأنها من الوسائل إلى المقصود. والله تعالى أعلم.
وقال الأبيّ رحمه الله تعالى: الفصل بين أنواع المسائل بالترجمة بالكتاب الغرضُ منه التسهيل على الناظر، وتنشيط الطالب، أما التسهيل فلأن من أراد مسألةً قصدها في كتابها، وأما التنشيط فلأن المتعلّم إذا ختم كتابًا ربّما اعتقد أنه كافٍ في ذلك النوع، فينشط إلى قراءة غيره، بخلاف ما لو كان التصنيف كلّه جملة واحدةً، وقد فصلوا بها بين مسائل النوع الواحد، وهو أيضًا للتنشيط، قال: ثُمَّ لتعرف أن الأَوْلى بالقارئ أن يُصرّح بقراءة الترجمة، فيقول: "كتاب كذا"، أما أوّلًا فلأنها جزء من التصنيف الذي أخذ في قراءته، ويتأكّد ذلك في مُريد الرواية، وأما ثانيًا فلأنها تفتقر إلى البيان، كغيرها من مسائل ذلك التصنيف. على أني لم أر من تعرَّض لبيان كلّ الترجمة، وإنما نجدهم