الخلافة عنها إلى الشام والعراق، وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين والدنيا،
أما الدين فلكثرة العلماء وكمالهم، وأما الدنيا فلعمارتها، وغرسها، واتّساع
حال أهلها، قال: وذكر الأخباريون في بعض الفتن التي جرت بالمدينة،
وخاف أهلها أنه رَحَلَ عنها أكثر الناس، وبقيت ثمارها، أو أكثرها للعوافي،
وخَلَت مُدّة، ثم تراجع الناس إليها، قال: وحالها اليوم قريب من هذا، وقد
خَرِبت أطرافها. انتهى كلام القاضي عياض رحمه اللهُ.
وقال في "الفتح": و"العوافي" جمع عافية، وهي التي تطلب أقواتها،
ويقال للذكر: عَافٍ، قال ابن الجوزيّ: اجتمع في العوافي شيئان:
أحدهما: أنها طالبة لأقواتها، من قولك: عَفَوتُ فلانًا أعفوه، فأنا
عَافٍ، والجمع عُفَاةٌ؛ أي: أتيت أطلب معروفه.
والثاني: من العَفَاء، وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به، فإن الطير
والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه.
وقال النوويّ: المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان، عند قيام
الساعة، ويؤيده قصة الراعيين، فقد وقع عند مسلم بلفظ: "ثم يُحْشَر راعيان"،
وفي رواية البخاريّ: أنهما آخر من يحشر.
قال الحافظ: ويؤيده ما رَوَى مالك، عن ابن حماس -بمهملتين،
وتخفيف- عن عمه، عن أبي هريرة، رفعه: "لَتُتْرَكَنَّ المدينةُ على أحسن ما
كانت، حتى يدخل الذئب، فيَعْوِي على بعض سواري المسجد، أو على
المنبر"، قالوا: فلمن تكون ثمارها؟ قال: "للعوافي: الطيرِ، والسباع"، أخرجه
مَعْن بن عيسى في "الموطإ"، عن مالك، ورواه جماعة من الثقات خارج
"الموطإ".
قال: ويشهد له أيضًا ما روى أحمد، والحاكم، وغيرهما من حديث
مِحْجَن بن الأدرع الأسلميّ، قال: بعثني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، ثم لقيني، وأنا
خارج من بعض طرق المدينة، فأخذ بيدي حتى أتينا أُحُدا، ثم أقبل على
المدينة، فقال: "ويل أمها قريةً، يوم يَدَعُها أهلها، كأينع ما يكون"، قلت: يا
رسول الله مَن يأكل ثمرها؟ قال: "عافية الطير والسباع".
ورَوَى عمر بن شبة بإسناد صحيح، عن عوف بن مالك، قال: دخل