[تنبيه]: قال الإمام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: اتفق الرواة عن مالك على
إسناده، إلا إسحاق بن عيسى الطباع، فقال: عن مالك، عن يحيى، عن
سعيد بن المسيِّب، بدل سعيد بن يسار، وهو خطأ.
قال الحافظ: وتابعه أحمد بن عمر، عن خالد السلميّ، عن مالك،
وأخرجه الدارقطنيئ في "غرائب مالك"، وقال: هذا وَهَمٌ، والصواب عن
يحيى، عن سعيد بن يسار. انتهى (?).
(يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أُمِرْتُ
بِقَرْيَةٍ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: أمرني ربي بالهجرة إليها, أو سكناها،
فالأول محمول على أنه قاله بمكة، والثاني على أنه قاله بالمدينة (تَأْكُلُ
الْقُرَى)؛ أي: تغلبهم، وكَنَى بالأكل عن الغلبة؛ لأن الآكل غالب على
المأكول، ووقع في "موطإ ابن وهب": قلت لمالك: ما تأكل القرى؟ قال:
تفتح القرى، وبَسَطَهُ ابن بطال، فقال: معناه يفتح أهلها القرى، فيأكلون
أموالهم، وَيسْبُون ذراريَّهم، قال: وهذا من فصيح الكلام، تقول العرب: أكلنا
بلد كذأ: إذا ظهروا عليها، وسبقه الخطابيّ إلى معنى ذلك أيضًا.
وقال النوويّ: ذكروا في معناه وجهين: أحدهما هذا، والآخر أن أكلها،
ومِيرتها من القرى الْمُفْتَتَحة، وإليها تساق غنائمها.
وقال ابن الْمُنير في "الحاشية": يَحْتَمِل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة
فضلها على فضل غيرها، ومعناه أن الفضائل تَضْمَحِلّ في جنب عظيم فضلها،
حتى تكاد تكون عَدَماً.
قال الحافظ: والذي ذكره احتمالاً ذكره القاضي عبد الوهاب، فقال: لا
معنى لقوله: "تأكل القرى" إلا رجوح فضلها عليها، وزيادتها على غيرها، كذا
قال، ودعوى الحصر مردودةٌ؛ لما مضى، ثم قال ابن الْمُنَيِّر: وقد سمّيت مكة
أم القرى، قال: والمذكور للمدينة أبلغ منه؛ لأن الأمومة لا تنمحي إذا وَجَدت
ما هي له أمّ، لكن يكون حقّ الأم أظهر، وفضلها أكثر. انتهى (?).
وقال ابن حبّان: قوله: "تأكل القرى" هذا تمثيلٌ، مراده أن الإسلام