ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار، ثم استمر ذلك بالمدينة

تمييزاً لها عن غيرها، لتحقيق إجابة دعوته - صلى الله عليه وسلم -، وظهور هذه المعجزة العظيمة

بتصديق خبره هذه المدة المتطاولة، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو

تحقيق نفيسٌ.

وقال الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قد امتنع الطاعون عن المدينة بدعائه - صلى الله عليه وسلم - وخبره هذه

المدد المتطاولة فهو خاص بها.

وجزم ابن قتيبة في "المعارف"، والنوويّ في "الأذكار" بأن الطاعون لم

يدخل مكة أيضاً معارضاً بما نقله غير واحد بأنه دخلها في سنة سبع وأربعين

وسبعمائة، لكن في "تاريخ مكة" لعمر بن شبة برجال الصحيح، عن أبي هريرة

مرفوعاً: "المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة، على كل نَقْب منها ملك، فلا

يدخلهما الدجال، ولا الطاعون"، وحينئذ فالذي نُقِل أنه دخل مكة في التاريخ

المذكور ليس كما ظُنّ، أو يقال: إنه لا يدخلهما من الطاعون مثل الذي يقع

في غيرهما، كالجارف، وعمواس.

وفي حديث أنس عند البخاريّ في "الفتن": "فيجد الملائكة يحرسونها"؛

يعني المدينة فلا يقربها الدجال، ولا الطاعون؛ إن شاء الله.

وقد اختُلف في هذا الاستثناء، فقيل: هو للتبرك، فيشملهما، وقيل: هو

للتعليق، وأنه يختص بالطاعون، ومقتضاه جواز دخول الطاعون المدينة.

قال الحافظ في "الفتن": وكونه للتبرك هو أولى، وقال السمهوديّ بعد

ذكر هذه الرواية: هذا يقتضي جواز دخول الطاعون المدينة، ويردّه الجزم في

سائر الأحاديث، والصواب حفظها منه، كما هو المشاهد، وقيل: المراد

بالطاعون في هذا الحديث المنفيّ دخوله المدينة طاعون العذاب، فتأمل (?).

(وَلَا) يدخل المدينة أيضاً (الدَّجَّالُ") هو فَعّال - بفتح أوله، وتشديد

الجيم - من الدجل، وهو التغطية، والمراد المسيح الأعور، وسُمّي الكذابُ

دجّالاً؛ لأنه يغطي الحق بباطله، ويقال: دَجَلَ البعير بالقَطِران: إذا غطّاه،

والإناء بالذهب إذا طلاها، وقال ابن دريد: سُمِّي دجالاً؛ لأنه يغطي الحق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015