5 - (ومنها): ما قال أبو عمر - رَحِمَهُ اللهَ - أيضًا: فيه اختصاص الرئيس في
الخير والدين والعلم والسلطان بالهدية والطُّرْفة؛ رجاء دعائه بالبركة، وبِرًّا
به، وإكرامًا له، وتبركًا بدعوته، وأما دعاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهل المدينة،
فمجاب كله - إن شاء الله - عَزَّوَجَلَّ - وإذا كانت الإجابة موجودة لغيره، فما ظنك
به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال: وقد يَحْتَمِل أن يكون قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم بارك لنا" يريد نفسه،
وأصحابه الذين آمنوا به، وصدّقوه، واتبعوه على دينه في زمانه، وتدرك بركة
تلك الدعوة في قوله: "اللهم بارك لنا" كلّ من كان حيًّا مولودًا في مدّته، وكل
من آمن به، واتبعه من ساكني المدينة - إن شاء الله - عَزَّوَجَلَّ - ومعلوم أنه لَمْ يُرِد
بدعائه طعام المنافقين، ولم يُدخله في دعوته تلك؛ لأنه لَمْ يقصدهم بذلك.
انتهى.
6 - (ومنها): ما قال أبو عمر - رَحِمَهُ اللهُ - أيضًا: وقد ظَنّ قوم أن هذا الحديث
يدلُّ على أن المدينة أفضل من مكة بدعاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها بمثل ما دعا به
إبراهيم لمكة، ومثله معه، وليس كما ظنوا؛ لأن دعاء إبراهيم لمكة لَمْ تُعرف
فضيلة مكة به وحده، بل كان فضلها قبل أن يدعو لها، ودعاء إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامْ - قد
علمناه بما نَطَق به القرآن في قوله - عَزَّوَجَلَّ -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} الآية [البقرة:
126]، وقد كانت مكة حَرَمًا آمنًا بدليل حديث النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تعالى حرّم
مكة، ولم يحرّمها الناس"، متّفقٌ عليه، وقوله - لجم: "إن الله تعالى حرّم مكة يوم
خلق السماوات والأرض ... " الحديث متّفقٌ عليه.
وأجمع المسلمون على القول بأن مكة حرم الله، وقالوا في المدينة: حرم
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد دعا إبراهيم لمكة بنحو دعاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمدينة.
ثم أخرج بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الحديث الطويل حين نزل إبراهيم
بابنه إسماعيل، وأمه هاجر مكة، ثم رجع إلى الشام، ثم عاد إليها بعد مدة،
وقد ماتت أم إسماعيل، وتزوج إسماعيل في جُرْهُم، فوجد امرأته في المرة
الثانية، ولم يجد إسماعيل، فسألها عنه، فقالت: مَرَّ إلى الصيد، فقال: وما