(فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قال الزرقانيّ: زاد في بعض طرق الحديث:
"وضعه على وجهه"؛ أي: إظهارًا للفرح والمسرّة (قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي
ثَمَرِنَا) بالنماء، والزيادة، والبقاء (وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا)؛ أي: في ذاتها، من
جهة سعتها، ووسعة أهلها، وقد استجاب الله تعالى دعاءه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن وسع نفس
المسجد، وما حوله من المدينة، وكثر الخلق فيها، حتى عُدّ من الفَرَس المعدّ
للقتال المهيَّأ بها في زمن عمر - رضي الله عنه - أربعون ألف فرس، والحاصل أن المراد
بالبركة هنا ما يَشْمَل الدنيوية والأخروية والحسبة، قاله القاري - رَحِمَهُ اللهُ -. وقيل:
بارك لنا في مدينتنا في أمور أخرى أيضًا سوى الثمار.
(وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا)؛ أي: فيما يكال به كَمّيةً، وكيفيةَ (وَبَارِكْ لَنَا فِي
مُدِّنَا) قال الزرقانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -؛ أي: بارك لنا في ما يكال في حاعنا، وبارك لنا في
ما يكال في مُدّنا، فحذف المقدَّر؛ لفهم السامع، وهو من باب ذكر المحلّ
وارادة الحالّ.
وقال ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا من فصيح كلامه وبلاغته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه
استعارة؛ لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل بالصاع والمد، لا في
الظروف.
ويَحْتَمِل على ظاهر العموم أن تكون فيهما.
وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: البركة هنا بمعنى النماء والزيادة، وتكون
بمعنى الثبات واللزوم، قال: فقيل: يَحْتَمِل أن تكون هذه البركة دينية، وهي ما
تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في ذكر الزكوات، والكفارات، فتكون
بمعنى الدعاء للثبات والبقاء لها، كبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها،
ويَحْتَمِل أن تكون دنيوية، من تكثير المال، والقدر بهذه الأكيال، حتى يكفي
منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، أو ترجع البركة إلى التصرف بها في
التجارة، وأرباحها، أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها، أو تكون
الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم، وكثرته بعد ضيقه، بما فتح الله عليهم،
ووسّع من فضله لهم، وتمليكهم من بلاد الْخِصب والرِّيف بالشام والعراق
ومصر وغيرها، حتى كثر الحمل إلى المدينة، واتسع عيشهم حتى صارت هذه
البركة في الكيل نفسه، فزاد مُدّهم، وصار هشاميًّا مثل مُدّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين، أو