نافية (ذَعَرْتُهَا) من باب نَفَعَ؛ أي: أفزعتها، وقيل: نَفّرتها، وقال المازريّ:
الذُّعر: الفزع، ومنه قول زُهير بن أبي سُلمى [من الكامل]:
وَلأَنْتَ اشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إِذْ ... دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرِ
ثم ذكر أبو هريرة - رضي الله عنه - علّة عدم ذَعره لها، فقال: (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
فالجملة تعليليّة ("مَا) موصولة مبتدأ خبرها "حرامٌ" (بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أي: حرّتي
المدينة (حَرَامٌ") أي: محرٌم أن يُخلى خلاه، ويُقطع شجره، ويُنفّر صيده.
وقال في "الفتح": قوله: "لو رأيت الظباء ترتع"؛ أي: تسعي، أو ترعى
بالمدينة ما ذعرتها؛ أي: ما قصدت أَخْذَها، فأخفتها بذلك، وكَنَى بذلك عن
عدم صيدها، واستدل أبو هريرة - رضي الله عنه - بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما بين لابتيها حرام"؛ لأن
المراد بذلك المدينة؛ لأنَّها بين لابتين: شرقيّة وغربيّة، ولها لابتان أيضًا من
الجانبين الآخرين، إلَّا أنهما يرجعان إلى الأوّلين؛ لاتصالهما بهما.
والحاصل أن جميع دُورها كلُّها داخل ذلك.
قال: وفي قول أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا إشارة إلى قوله في الحديث
الماضي: "لا يُنَفَّر صيدها"، ونقل ابن خزيمة الاتفاق على أن لا جَزَاءَ في حيد
المدينة، بخلاف صيد مكة. انتهى (?).
وقال الحافظ ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هذا الحديث من الفقه تحريم
المدينة، وإذا كانت حرامًا لَمْ يجز فيها الاصطياد، ولا قطع الشجر، كهيئة
مكة، إلَّا أنه لا جزاء فيه عند العلماء، كذلك قال مالك، والشافعيّ،
وأصحابهما، وقال أبو حنيفة: صيد المدينة غير محرَّم، وكذلك قطع شجرها،
وهذا الحديث حجة عليه، مع سائر ما في تحريم المدينة من الآثار، واحتَجّ
لأبي حنيفة بعض من ذهب مذهبه بحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، عن
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "من وجدتموه يصيد في حدود المدينة، أو يقطع من
شجرها، فخذوا سلبه"، وأخذ سعد سَلَب من فعل ذلك، قال: وقد اتفق
الفقهاء على أنه لا يؤخذ سَلَب من صاد في المدينة، فدلّ ذلك على أنه
منسوخ، قال؛ وقد يَحْتَمِل أن يكون معنى النهي عن صيد المدينة، وقطع