في المدينة، وهو إن كان حرامًا في غيرها، إلَّا أنه فيها أشدّ، وأخطر؛ لأنَّها
موطن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودار الهجرة، ومهبط الوحي، ومأوى الصالحين، فيُشدّد
فيها ما لا يُشدّد في غيرها، فمن خالف في ذلك، وأحدث ما لَمْ يأذن
به الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فعليه الوعيد المذكور في الحديث.
3 - (ومنها): أن في قول عليّ - رضي الله عنه -: "من زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلَّا
كتاب الله، وهذه الصحيفة، فقد كذب" تصريح منه - رضي الله عنه - بإبطال ما تزعمه
الرافضة والشيعة، ويخترعونه من قولهم: إن عليًّا - رضي الله عنه - أوصى إليه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بأمور كثيرة، من أسرار العلم، وقواعد الدين، وكنوز الشريعة، وأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصّ
أهل البيت بما لَمْ يُطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة، واختراعات فاسدة،
لا أصل لها، ويكفي في إبطالها قول عليّ - رضي الله عنه - هذا، قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
4 - (ومنها): أن فيه دليلًا على جواز كتابة العلم، وقد بوّب البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ -
في "كتاب العلم" من "صحيحه": "باب كتابة العلم"، ثم أورد حديث عليّ - رضي الله عنه -
هذا من رواية أبي جُحيفة عنه. انتهى.
5 - (ومنها): بيان وحدة أمان المسلمين، وأن من عقد أمانًا لكافر لا
يحلّ لغيره نقضه، سواء كان رجلًا كان أو امرأةً، حرًّا كان، أو عبدًا، فمن
نقض عهد مسلم، فعليه الوعيد المذكور في الحديث.
6 - (ومنها): أنه صريح في غِلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو
انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه؛ لما فيه من كفر النعمة، وتضييع حقوق
الإرث، والولاء، والعَقْل، وغير ذلك، مع ما فيه من قطيعة الرحم، والعقوق،
فمن فعل ذلك، فعليه الوعيد المذكور في الحديث أيضًا.
قال الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومن الانتماء إلى غير الأب: انتماء ولد الزنا إلى من
يعرف أنه خُلق من مائه الفاسد؛ لأنه ليس باب شرعيّ.
[فإن قلت]: فقول الغلام في حديث جُريج الراهب: أبي الراعي فلان،
يدلّ على أنه أبٌ حقيقيّ.
[أجيب]: بأن ذلك شرع من قبلنا، أو أنه أبٌ لغةً، والمقصود في