وقال الطحاوفي: يَحْتَمِل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة، وقطع
شجرها كون الهجرة كانت إليها، فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها،
ويدعو إلى ألفتها، كما روي ابن عمر أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هدم آطام المدينة،
فإنها من زينة المدينة، فلما انقطعت الهجرة زال ذلك.
قال الحافظ: وما قاله ليس بواضح؛ لأن النسخ لا يثبت إلا بدليل، وقد
ثبتٌ على الفتوى بتحريمها سعدٌ، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد، وغيرهم، كما
أخرجه مسلم.
وقال ابن قُدامة: يحرم صيد المدينة، وقطع شجرها، وبه قال مالك،
والشافعيّ، وأكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة: لا يحرم.
ثم مَن فَعَل مما حرم عليه فيه شيئًا أَثِمَ، ولا جزاء عليه في رواية لأحمد،
وهو قول مالك، والشافعيّ في الجديد، وأكثر أهل العلم.
وفي رواية لأحمد- وهو قول الشافعيّ في القديم، وابن أبي ذئب، واختاره
ابن المنذر، وابن نافع من أصحاب مالك، وقال القاضي عبد الوهاب: إنه الأقيس،
واختاره جماعة بعدهم-: فيه الجزاء، وهو كما في حرم مكة، وقيل: الجزاء في
حرم المدينة أخذ السَّلَب؛ لحديث صححه مسلم عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وفي
رواية لأبي داود: "مَن وَجَد أَحَدًا يصيد في حرم المدينة، فليسلبه".
قال القاضي عياض: لم يقل بهذا بعد الصحابة إلا الشافعيّ في القديم.
وتعقّبه الحافظ بأنه اختاره جماعة معه، وبعده؛ لصحة الخبر فيه، ولمن
قال به اختلاف في كيفيته، ومصرفه، والذي دل عليه صنيع سعد -رضي الله عنه- عند
مسلم وغيره، أنه كسلب القتيل، وأنه للسالب، لكنه لا يُخَمَّس.
وأغرب بعض الحنفية، فادَّعَى الإجماع على ترك الأخذ بحديث السلب،
ثم استدلّ بذلك على نسخ أحاديث تحريم المدينة، ودعوى الإجماع مردودة،
فبطل ما ترتب عليها.
قال ابن عبد البرّ: أَبُو صح حديث سعد لم يكن في نسخ أخذ السلب ما
يُسقط الأحاديث الصحيحة. انتهى (?).