كوني رائيًا بني عمّكم، أراد غير بني العبّاس من سائر قريش، وهذا يدلّ على
أن السقاية المختصّة ببني العبّاس هي سقاية النبيذ (يَسْقُونَ الْعَسَلَ، وَاللَّبَنَ، وَأَنْتُمْ
تَسْقُونَ النَّبِيذَ) هو ما يُعمل من الأشربة من التمر، والزبيب، والعسل، وغير
ذلك، يقال: نبذت التمر والزبيب: إذا تركت عليه الماء حتى يشتدّ، قال
النوويّ: بحيث يَطيب طعمه، ولا يكون مسكرًا، فأما إذا طال زمنه، وصار
مسكرًا، فهو حرام. انتهى.
(أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ) أي أهذا من أجل فقركم، وعدم وجود العسل،
واللبن عندكم (أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ ) أي أم تفعلون هذا مع وجود ذلك؛ لأجل
بخلكم؟ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) -رضي الله عنهما- (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على ما أنعم علينا من نعمه
الجسام (مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ) "ما" نافية، و"من" زائدة، كما قال في
"الخلاصة":
وَزِيدَ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ ... نَكِرَةً كَـ"مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرْ"
وفي بعض النسخ: "ما بنا حاجةٌ" بحذف "من".
(وَلَا بُخْلٍ) بالجرّ عطفًا على "حاجة"، ويجوز رفعه عطفًا على
المحلّ؛ لكون الجارّ زائدًا، كما بيّنته آنفًا، أي ليس بنا فقر، ولا بخلٌ،
وإنما نفعل هذا؛ تمسّكًا بما تلقّيناه من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كما بيّنه بقوله: (قَدِمَ)
بكسر الدال (النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-) أي جاء من منى إلى الكعبة، وقوله: (عَلَى رَاحِلَتِهِ)
متعلّق بحال مقدّر، أي حال كونه راكبًا على راحلته (وَخَلْفَهُ أسَامَةُ) بن زيد
حبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابن حبّه، مات سنة (54 هـ) تقدّمت ترجمته في
"الإيمان" 43/ 284. (فَاسْتَسْقَى) أي طلب السُّقيا (فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ)
وأخرج البخاريّ من طريق عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
جاء إلى السقاية، فاستسقى، فقال العباس: يا فضلُ اذهب إلى أمك، فأْتِ
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشراب من عندها، فقال: "اسقني"، قال: يا رسول الله إنهم
يجعلون أيديهم فيه، قال: "اسقني"، فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم
يسقون، ويعملون فيها، فقال: "اعملوا، فإنكم على عمل صالح"، ثم قال: