في "مستخرجه" (3/ 387)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (5/ 160)، والله تعالى
أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في المراد بالأبطح، والمحصّب
في هذه الروايات:
قال الحافظ وليّ الدين رحمه اللهُ في "شرح التقريب": "الأبطح": هو الوادي
المبطوح بالبطحاء، و"الْمُحَصَّب" -بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، والصاد
المهملة المشددة- الذي فيه الحصباء، والبطحاء، والحصباء بمعنى واحد:
الحصى الصغار، والمراد به هنا موضع مخصوص، وهو مكان مُتَّسِعٌ بين مكة
ومنى، وهو إلى منى أقرب، وهو اسم لما بين الجبلين إلى المقبرة، قال
القاضي عياض: وحدّه: من الحجون، ذاهبًا إلى منى، وزعم الدراورديّ أنه ذو
طوى، ولم يقل شيئًا.
قال النوويّ: المحصَّب -بفتح الحاء والصاد المهملتين- والحصبة -بفتح
الحاء، وإسكان الصاد- والأبطح، والبطحاء، وخَيف بني كنانة اسم لشيء
واحد، وأصل الخيف كل ما انحدر عن الجبل، وارتفع عن المسيل.
وذكر ابن عبد البر أن الأبطح المذكور في حديث ابن عمر، وفي حديث
عائشة هذا، وفي حديث أبي رافع الآتي ذكره غير المحصَّب، والبطحاء،
وخَيف بني كنانة المذكور في حديث أبي هريرة الآتي ذكره، وأن المراد بالأول
البطحاء التي بذي الحليفة، قال: وهذه البطحاء هي المعروفة عند أهل المدينة
وغيرهم بالْمُعَرَّس. انتهى.
وهو مردود، والصواب ما ذكره النوويّ، من أن هذه المذكورات كلَّها
عبارة عن شيء واحد، وَيرُدُّ ما ذكره ابن عبد البر أن لفظ حديث أبي رافع عند
مسلم: "لم يأمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أنزل الأبطح حين خرج من منى، ولكن
جئت، فضربت قبته، فجاء، فنزل"، فهذا صريح في أن المراد بالأبطح المكان
الذي عند منى.
قال وليّ الدين: إذا تقرر أن الأبطح هو المحصَّب الذي عند منى، فكون
عائشة -رضي الله عنها- لم تكن تنزله عند النَّفْر يَحْتَمِل أن يكون لاعتقادها أنه ليس من
المناسك، وإن كان سنةً مستقلةً، وَيحْتَمِل أنه لاعتقادها أنه ليس مستحبًّا أصلًا،