فرُوي عن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - أن ذلك مخصوص بيوم بدر، وبه قال نافع، والحسن، وقتادة، ويزيد بن أبي حبيب، والضحاك، وبه قال أبو حنيفة، وأن ذلك خاصّ بأهل بدر، فلم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لانحازوا للمشركين، ولم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم، ولا للمسلمين فئة إلا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأما بعد ذلك، فإن بعضهم فئة لبعض، قال إلْكِيا: وهذا فيه نظر؛ لأنه كان بالمدينة خلقٌ كثيرٌ من الأنصار، لم يأمرهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالخروج، ولم يكونوا يرون أنه قتال، وإنما ظنوا أنها العير، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن خَفّ معه.

ويُرْوَى عن ابن عباس، وسائر العلماء أن الآية باقية إلى يوم القيامة.

احتَجَّ الأولون بما ذَكَرنا، وبقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ}، فقالوا: هو إشارة إلى يوم بدر، وأنه نُسِخَ حكم الآية بآية الضعْف، وبقي حكم الفرار من الزحف ليس بكبيرة، وقد فَرَّ الناس يوم أحد، فعفا الله عنهم، وقال الله فيهم يوم حنين: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، ولم يقع على ذلك تعنيف.

وقال الجمهور من العلماء: إنما ذلك إشارة إلى يوم الزحف الذي يتضمنه قوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ}، وحكم الآية باقٍ إلى يوم القيامة، بشرط الضِّعْف الذي بيّنه الله تعالى في آية أخرى، وليس في الآية نسخ.

والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال، وانقضاء الحرب، وذهاب اليوم بما فيه، وإلى هذا ذهب مالك، والشافعيّ، وأكثر العلماء، وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" وفيه: "والتولي يوم الزحف"، وهذا نصّ في المسألة، وأما يوم أُحد، فإنما فَرّ الناس من أكثر من ضِعْفهم، ومع ذلك عُنّفُوا، وأما يوم حنين فكذلك مَن فَرَّ إنما انكشف عن الكثرة. انتهى كلام القرطبيّ (?).

قال الجامع عفا الله تعالى: قد تبيّن بما ذُكر أن ما قاله الجمهور من أن الآية غير منسوخة، وأن الحكم عامّ لا يختصّ بيوم بدر هو الصواب؛ لظهور حجّته، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015