عند السبر مائقٌ، وهي نبعة باطنية، ونزعة باطلية، وإنما صَحَّ تشريف عباد الله باختصاص الإضافة، بعد أن تَحَلَّوا بتلك الصفات الحميدة، وتَخَلَّوا عن نقائض ذلك من الأوصاف الذميمة، فبدأ في صدر هذه الآياتِ بصفات التحلي؛ تشريفًا لهم، ثم أعقبها بصفات التخلي؛ تبعيدًا لها، والله أعلم.
قال أبو عبد الله القرطبيّ: ومما يدلُّ على بطلان ما ادّعاه هذا القائل، من أن تلك الأمور ليست على ظاهرها، ما رَوَى مسلم (?) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الذَّنْب أكبر عند الله؟ قال: "أن تدعو لله نِدًّا، وهو خلقك"، قال: ثم أيّ؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك"، قال: ثم أيّ؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك"، فأنزل الله تعالى تصديقها: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)}، والأثام في كلام العرب: العقاب، وبه قرأ ابن زيد، وقتادة هذه الآية، ومنه قول الشاعر [من الوافر]:
جَزَى اللهُ ابْنَ عُرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى ... عُقُوقًا وَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ
أي جزاءً وعقوبةً، وقال عبد الله بن عمرو، وعكرمة، ومجاهد: إن {أَثَامًا} وادٍ في جهنم جعله الله عقابًا للكفرة، قال الشاعر [من المتقارب]:
لَقِيتُ الْمَهَالِكَ فِي حَرْبِنَا ... وَبَعْدَ الْمَهَالِكِ تُلْقِي أَثَامَا
وقال السُّديّ: جبل فيها، قال:
وَكَانَ مَقَامُنَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ ... بِأَبْطَحِ ذِي الْمَجَازِ لَهُ أَثَامُ
وفي "صحيح مسلم" أيضًا: عن ابن عباس، أن ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن الذي تقول، وتدعو إليه لحسنٌ، ولو تُخبرنا أن لما عملنا كفارةً، فنزلت: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)}، ونزل: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] الآية، وقد قيل: إن هذه الآية: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} نزلت في وحشيّ، قاتل حمزة، قاله