"فقال: دَعْهُ دَعْهُ"، أي اتركه، والضمير للطريق التي اختُلِف فيها، وهي رواية واصل، وقد زاد الهيثم بن خَلَف في روايته بعد قوله "دَعْهُ": "فلم يذكر فيه واصلًا بعد ذلك"، فعُرِف أن معنى قوله "دَعْه": أي اترك السند الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة.
وقال الكرمانيّ رحمه الله تعالى: حاصله أن أبا وائل، وإن كان قد رَوَى كثيرًا عن عبد الله، فإن هذا الحديث لَمْ يروه عنه، قال: وليس المراد بذلك الطعن عليه، لكن ظَهَرَ له ترجيح الرواية بإسقاط الواسطة؛ لموافقه الأكثرين.
قال الحافظ: كذا قال، والذي يظهر ما قَدَّمته أنه تركه من أجل التردد فيه؛ لأن ذكر أبي ميسرة، إن كان في أصل رواية واصل، فتحديثه به بدونه يستلزم أنه طَعَنَ فيه بالتدليس، أو بقلة الضبط، وإن لَمْ يكن في روايته في الأصل، فيكون زاد في السند ما لَمْ يسمعه، فاكتفى برواية الحديث عمن لا ترَدُّد عنده فيه، وسَكَتَ عن غيره، وقد كان عبد الرَّحمن حَدَّث به مَرَّةً عن سفيان، عن واصل وحده بزيادة أبي ميسرة، كذلك أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، لكن الترمذي بعد أن ساقه بلفظ واصل عَطَفَ عليه بالسند المذكور طريق سفيان، عن الأعمش ومنصور، قال بمثله، وكأن ذلك كان في أول الأمر.
وذَكَرَ الخطيب هذا السند مثالًا لنوع من أنواع مدرج الإسناد، وذَكَرَ فيه أن محمد بن كثير وافق عبد الرَّحمن على روايته الأولي، عن سفيان، فيصير الحديث عن الثلاثة بغير تفصيل.
قال الحافظ: وقد أخرجه البخاريّ في "الأدب" عن محمد بن كثير، لكن اقتصر من السند على منصور، وأخرجه أبو داود، عن محمد بن كثير، فضم الأعمش إلى المنصور، وأخرجه الخطيب من طريق الطبرانيّ، عن أبي مسلم الليثيّ، عن معاذ بن المثني، ويوسف القاضي - ومن طريق أبي العباس الْبَرْقيّ - ثلاثتهم عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن الثلاثة، وكذا أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" عن الطبرانيّ، وفيه ما تقدم.
وذكر الخطيب الاختلاف فيه على منصور، وعلى الأعمش، في ذكر أبي ميسرة وحذفه، ولم يُختَلف فيه على واصل في إسقاطه في غير رواية سفيان.
وقد أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ من رواية شعبة، عن واصل، بحذف أبي