سواءٌ كان من حجر، أو مَدَر، أو شعر، أو وَبَر، ومعنى الحديث: منى كلها
منحر، يجوز النحر فيها، فلا تتكلفوا النحر في موضع نحري، بل يجوز لكم
النحر في منازلكم من منى.
قال: قال الشافعيّ، وأصحابنا: يجوز نحر الهدي، ودماء الحيوانات في
جميع الحرم، لكن الأفضل في حقّ الحاجّ النحر بمنى، وأفضل موضع منها
للنحر موضع نحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما قاربه، والأفضل في حق المعتمر أن ينحر
في المروة؛ لأنها موضع تحلله، كما أن منى موضع تحلل الحاجّ، قالوا:
ويجوز الوقوف بعرفات في أيّ جزء كان منها، وكذا يجوز الوقوف على المشعر
الحرام، وفي كل جزء من أجزاء المزدلفة؛ لهذا الحديث، والله أعلم. انتهى (?).
وقال القرطبيّ-رحمه الله-: قوله: "فانحروا في رحالكم" يعني: أنه وإن كان قد
نحر في ذلك الموضع المخصوص من منى، فالنحر واسع في كل مواضعها،
وهو متفق عليه، وكذلك عرفة ومزدلفة، غير أن تَوَخِّي موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ومنحره أولى تبرّكًا بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وبآثاره، وفي حديث مالك: "عرفة كلها موقف،
وارتفعوا عن بطن عُرَنَة"، وهو وادي عرفة، قال ابن حبيب: وفيه مسجد عرفة،
وهو من الحرم، واتفق العلماء: على أنه لا يوقف فيه، واختلفوا فيمن وقف
في عُرَنَة: فقال أبو مصعب: هو كمن لم يقف، وحُكي عن الشافعيّ، وقال
مالك: حَجّه صحيح وعليه دم، حكاه عنه ابن المنذر، ومن وقف في المسجد
أجزأه عند مالك، وقال أصبغ: لا يجزيه، و"عُرَنة" بضم العين والراء، وذكره
ابن دُرَيد بفتح الراء، وهو الصواب. انتهى (?).
وقال الفيّوميّ -رحمه الله-: "عُرَنَةُ": موضع بين منى وعرفات، وزانُ رُطَبَةٍ، وفي لغة
بضمّتين، وتصغيرها عُرينة، وبها سُمّيت القبيلة، والنسبة إليها عُرَنيّ. انتهى (?).
وقوله: (وَجَمْغ كُلُّهَا مَوْقِف) قال القرطبيّ -رحمه الله-: في رواية مالك:
"وارتفعوا عن بطن محسِّر"، واتفق العلماء على الأخذ بهذا الحديث، وترك
الوقوف به، واستحبّوا الوقوف حيث المنارة، وحيث تقف الأئمة بين الجبلين،