وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل: إنما
كان خوفاً من الفتنة عليه، وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن ذلك ولم يزجره؛ دليل: على
أنه لم يفعل محرماً، وقال بعض مشايخنا: ستر الوجه عن النساء سُنَّة، وكان
الحجاب على أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واجباً. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-، والأوجه ما سبق عن
النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
(فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ) بكسر الشين المعجمة؛ أي: الجانب
(الْآخَرِ) أي: غير الجانب الذي صرفه منه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: (يَنْظُرُ) حال من
الفضل (فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ) أي: من جهة الجانب الذي
صرف منه وجه الفضل إلى الجهة الثانية التي ينظر منها مرّة أخرى (عَلَى وَجْهِ
الْفَضْلِ) متعلّق بـ "حوّل"، وقوله: (يَصْرِفُ وَجْهَهُ) حال من "رسول الله"؛ أي:
حال كونه - صلى الله عليه وسلم - صارفاً وجه الفضل (مِنَ الشَقّ الْآخَرِ) أي: من الجانب الثاني
الذي ينظر فيه إليهنّ، والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - منعه من النظر إليهنّ مرّة ثانية من الجانب
الثاني، وقوله: (يَنْظُرُ) حال أيضاً.
(حَتى أتى) غاية لدفعه - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: إلى أن أتى (بَطْنَ مُحَسِّرٍ) بضم الميم،
وفتح الحاء، وكسر السين المشددة المهملتين، اختَلَفوا فيه، فقيل: هو واد بين
مزدلفة ومنى، قال ابن القيّم -رَحِمَهُ اللهُ-: ومُحَسِّرٌ بَرْزخ بين منى ومزدلفة، لا من هذه
ولا من هذه، وقيل: ما صبّ منه في المزدلفة فهو منها، وما صبّ منه في منى
فهو منها، وصوّبه بعضهم، وقد جاء في الحديث: "والمزدلفة كلها موقف، إلا
بطن محسّر" (?)، فيكون على هذا قد أطلق بطن محسّر، والمراد منه ما خرج
من مزدلفة، وإطلاق اسم الكلّ على البعض جائزٌ مجازاً شائعاً.
وقال الطحاويّ: ليس وادي محسّر من منى، ولا من المزدلفة، فالاستثناء
في قوله: "إلا بطن محسّر" منقطع.