يتأت له في حق ابن مسعود؛ لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في

جمعهم إلى من يؤذن لهم، وقد أخذ بظاهره مالك، وهو اختيار البخاريّ.

ورَوَى ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك، حيث

أخذ بحديث ابن مسعود، وهو من رواية الكوفيين، مع كونه موقوفًا، ومع كونه

لم يروه، ويترك ما روى عن أهل المدينة، وهو مرفوع.

قال ابن عبد البر: وأعجب أنا من الكوفيين، حيث أخذوا بما رواه أهل

المدينة، وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة، وتركوا ما رووا في ذلك

عن ابن مسعود، مع أنهم لا يعدلون به أحداً.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: الجواب عن ذلك أن مالكا اعتَمَد على صنيع عمر في

ذلك، وإن كان لم يروه في "الموطأ"، واختار الطحاويّ ما جاء عن جابر - رضي الله عنه -

- يعني هذا الحديث أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، وهذا قول الشافعيّ

في القديم، ورواية عن أحمد، وبه قال ابن الماجشون، وابن حزم، وقوّاه

الطحاويّ بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.

وقال الشافعي في الجديد، والثوري، وهو رواية عن أحمد: يجمع بينهما

بإقامتين فقط، وهو ظاهر حديث أسامة - رضي الله عنه - الآتي، حيث قال: "فأقام

المغرب، ثم أناخ الناس، ولم يَحُلَّوا حتى أقام العشاء"، وقد جاء عن ابن عمر

كل واحد من هذه الصفات، أخرجه الطحاويّ وغيره، وكأنه يراه من الأمر

الذي يتخير فيه الإنسان، وهو المشهور عن أحمد. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أرجح المذاهب عندي قول من قال:

يصلي الأولى بالأذان والإقامة، والثانية بالإقامة فقط، لحديث جابر - رضي الله عنه - هذا،

فإنه مرفوع صريح في ذلك، وما عداه إما موقوف، كحديث عمر، وابن

مسعود - رضي الله عنهما -، أو قابل للتأويل، كحديث أسامة وابن عمر - رضي الله عنهما -، فيؤول بأنه صلى

الأولى بالإقامة مع الأذان، والثانية بالإقامة فقط، وإنما أوّلنا بذلك؛ لأنه لا

يمكن أن يُحْمَل على تعدد الواقعة، إذ حجته - صلى الله عليه وسلم - واحدة، فتعيّن الجمع بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015