القرص" بياناً لقوله: "غربت الشمس، وذهبت الصفرة"، فإن هذه تُطلق مجازاً

على مغيب معظم القرص، فأزال ذلك الاحتمال بقوله: "حتى غاب القرص"،

والله أعلم. انتهى (?).

وقال القاري: قيل: صوابه حين غاب القرص، وفيه نظر؛ إذ لا يظهر

معنى لقوله: "ذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص"، وكان القائل غفل عن

قيد القلّة، وذَهِل عن الرواية التي تطابق الدراية.

وفيه تنبيهٌ على الاحتياط والمكث بعد الغروب حتى تذهب الصفرة لأجل

الحائل من الجبال، وفي وقوفه - صلى الله عليه وسلم - على راحلته، وإطالته الوقوف عليها دليلٌ

على إباحة ذلك مطلقاً، خلافاً من كرهه، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك مقصوراً على

ما هو قربةٌ دون غيره من المباح، وعلى ما خفّ أمره دون الأحمال الثقال،

والمحامل الثقيلة بالركبان المتعدّدة، لما فيه من إتعاب الحيوان من غير

ضرورة (?).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فلم يزل واقفاً بعرفة حتى غربت الشمس،

وذهبت الصُّفرة قليلاً" لا خلاف في أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحجّ،

وأنه من بعد الزوال، وأنه لا يُجزئ قبله، وأن وقوف الليل يُجزئ، وأكثر

العلماء: على أن وقوف النهار يُجزئ إلا مالكاً، فإنه في معروف مذهبه كمن لم

يقف، ولا خلاف في أفضلية الجمع بين الوقوفين ليلاً ونهاراً، وفيه دليل: على

الاحتياط بأخذ جزء من الليل زائد على مغيب الشمس.

قال: وقد رَوَى الترمذيّ حديثاً صحيحاً يرفع الخلاف في هذه المسألة:

عن عروة بن مُضرَّس قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى

الصَّلاة، فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيء، أكْلَلْتُ راحلتي،

وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة

قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه"، قال: هذا حديث حسن

صحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015