الغرب (أَمَرَ) بالبناء للفاعل، جواب "إذا" (بِالْقَصْوَاءِ) أي: بإحضارها،
ورَحْلها، والقصواء اسم ناقته -صلى الله عليه وسلم-، وقد تقدّم ضبطها، وشرحها في أول شرح
الحديث (فَرُحِلَتْ لَهُ) بالبناء للمفعول، مخفّفًا؛ أي: شُدّ على ظهرها الرحل؛
ليركبها -صلى الله عليه وسلم-، والرحل -بفتح، فسكون- في الأصل: كلُّ شيء يُعدّ للرّحيل، من
وِعاء للمتاع، ومَرْكب للبعير، وحِلْسٍ، ورَسَنٍ، وجمعه أَرْحُلٌ ورِحَالٌ، مثلُ
أَفْلُس وسِهَامٍ (?).
وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "فرُحلت له" أي: أمر بوضع الرحل على
القصواء، ففُعِل، تقول: رَحَلتُ البعيرَ أرحله رَحْلًا: إذا شددت على ظهره
الرحلَ، قال الأعشى [من الكامل]:
رَحَلَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً أَجْمَالَهَا ... غَضْبَى عَلَيْكَ فَمَا تَقُولُ بَدَا لَهَا (?)
(فَأَتَى) أي: فركبها -صلى الله عليه وسلم-، فأتى (بَطْنَ الْوَادِي) هو وادي عُرَنة -بضمّ العين
المهملة، وفتح الراء، بعدها نون، وزانُ رُطَبَة، وفي لغة بضمّتين: موضع بين
منى وعرفات، قاله الفيّوميّ رحمهُ اللهُ (?)، قال النوويّ رحمهُ اللهُ: وليس من عرفات عند
الشافعيّ، والعلماء كافّةً، إلا مالكًا، فقال: هي من عرفات. انتهى.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: "بطن الوادي": المنخفض منه، ويعني به وادي عُرنة
المعروف هناك، وهو موضع مُتَّسَعٌ جامع، ولذلك خصّه -صلى الله عليه وسلم- بخطبته، والله
تعالى أعلم. انتهى (?).
(فَخَطَبَ النَّاسَ) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج
يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف فيها
المالكية، ومذهب الشافعي أن في الحجّ أربعَ خُطَب مسنونة: إحداها يوم
السابع من ذي الحجة، يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية هذه التي
ببطن عُرَنة يوم عرفات، والثالثة: يوم النحر، والرابعة يوم النَّفْر الأَوَّل، وهو
اليوم الثاني من أيام التشريق، قال أصحابنا: وكلُّ هذه الخطب أفراد، وبعد