إشارة إلى أن المحرم من مكة لا يُقدّم طوافه وسعيه؛ لأنه إذا اشتغل بذلك لا
يُسمّى متوجّهًا.
وقال النوويّ: والأفضل عند الشافعيّ وموافقيه أن من كان بمكة، وأراد
الإحرام بالحجّ أحرم يوم التروية؛ عَمَلًا بهذا الحديث، وسبق بيان مذاهب
العلماء فيه، وفي هذا بيان أن السنة أن لا يتقدّم أحد إلى منى قبل يوم التروية،
وقد كَرِهَ مالك ذلك، وقال بعض السملف: لا بأس به، ومذهبنا أنه خلاف
السنة. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقوله: "توجهوا إلخ"؛ أي: قَصَدوا، وأخذوا في
الأهبة إلى منى، لا أنَّهم توجهوا بمشيهم إلى منى، فأحرموا منها، فإن ذلك
باطل بإجماع العلماء، على أنَّهم أحرموا من مكة، والمستحبّ عند أكثر العلماء
فيمن أحرم من مكة بالحج أن يكون إحرامه من مكة متصلًا بسيره إلى منى يوم
التروية؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث، واستدل بعضهم أن يكون ذلك أول هلال
ذي الحجة؛ ليلحقهم من الشَّعَث إلى وقت الحج ما يلحق غيرهم.
والقولان عن مالك، وقد تقدَّم في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: تقدّم أن الإهلال قبل يوم التروية لمن بمكة
مخالف للسنّة، كما في هذا الحديث، وحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المتقدّم، فتبصّر،
والله تعالى أعلم.
(وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي: حين طلوع الشمس من يوم التروية، وسار
من مكة إلى منى (فَصَلَّى بِهَا) أي: بمنى في موضع مسجد الخيف (الظُّهْرَ
وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ) أي: كلّ صلاة لوقتها المعتاد.
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقوله: "فصلَّى بها الظهر ... إلخ"، يعني: أنه -صلى الله عليه وسلم-
صلَّى كل صلاة في وقتها، غير مجموعة، كما توهمه بعضهم، ممن لا يعرف،
وإنما ذكر عدد الصلوات الخمس هنا؛ لِيُعْلَم الوقت الذي وصل فيه إلى منى،
والوقت الذي خرج فيه منها إلى عرفة، ولذلك قال مالك باستحباب دخوله إلى
منى، وخروجه منها في ذينك الوقتين المذكورين، وقد استحب جميع العلماء