من نصب "حرامًا" لا توجد في النسخ التي بين يديّ، بل هي بالرفع مثلما وقع
في البخاريّ، ولعل النسخ في ذلك مختلفة، والله تعالى أعلم.
({حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ") أي: وهو منًى، فينحر فيه. واستُدِلّ به على أن
من اعتمر، فساق هديًا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وسيأتي
في حديث حفصة - رضي الله عنها - نحوه، وقد تقدم حديث عائشة - رضي الله عنها -، من طريق عُقيل،
عن الزهريّ، عن عروة، عنها، بلفظ: "ومن أحرم بعمرة، فأهدي، فلا يحل
حتى ينحر هديه"، وتأول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه: ومن أحرم
بعمرة، وأهدي، فليهلّ بالحج، ولا يحلّ حتى ينحر هديه.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا التأويل مخالف لظاهر هذه الأحاديث، فلا
ينبغي الاعتماد عليه.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد تأويلهم هذا: ولا يخفى ما فيه، فمانه خلاف ظاهر
الأحاديث المذكورة. انتهى.
والحاصل أن الحقّ أن من أحرم بعمرة، وأهدى فلا يحلّ حتى ينحر يوم
النحر؛ لهذه الأحاديث الصحيحة، فتبصر، وبالله تعالى التوفيق.
(فَفَعَلُوا) أي: فعل الصحابة - رضي الله عنهم - ما أمرهم به النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالوا: سمعنا
وأطعنا، وفيه بيان فضلهم حيث استجابوا لما دعاهم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممتثلين أمر
ربهم في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الآية [الأنفال: 24]
، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [17/ 2945] (1216)، و (البخاريّ) في "الحجِّ"
(1568)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (2/ 300)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه" (3/
315)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (4/ 356)، و (الطبرانيّ) في "الكبير" (7/ 123)،
وفوائده تقدّمت غير مرّة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.