التقدير: اجعلوا إحرامكم عمرةً، ثم أحلوا منه بالطواف بالبيت (وَبَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ) أي: وبالسعي بين الصفا والمروة، وهذا معنى فسخ الحج إلى
العمرة، قال ابن التين - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث أبين ما في هذه من فسخ الحج إلى
العمرة.
(وَقَصِّرُوا) أمرهم بالتقصير؛ لأنهم يُهِلّون بعد قليل بالحج، وأَخَّر الحلق؛
لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط (وَأَقِيمُوا حَلًالا) بالنصب على
الحال، بمعنى مُحِلِّين (حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوَيةِ) تقدّم قريبًا أن "كان" في مثل
هذا تامّة، تكتفي بمرفوعها، ولا تحتاج إلى خبر؛ أي: جاء يوم التروية (فَأَهِلُّوا
بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا) أي: اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها
(مُتْعَةً") أي: عمرةً تتحلّون منها، فتصيرون متمتّعين، وأَطلق على العمرة متعةً
مجازًا، والعلاقة بينهما ظاهرةٌ، قاله في "العمدة" (?).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فأهلّوا بالحج، واجعلوا الذي قدمتم بها
متعة": اعلم أن هذا الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره: وقد أهلّوا بالحج
مفردًا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوا إحرامكم عمرة، وتحللوا بعمل العمرة"،
وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة. انتهى (?).
(قَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؛ قَالَ: "افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ،
فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ) فيه ما كان عليه
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تطييب قلوب أصحابه، وتلطّفه بهم، وحلمه عنهم (وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ
مِنِّي حَرَامٌ) بكسر حاء "يَحِلّ"، والمعنى: لا يحل مني ما حُرِّم عليّ.
[تنبيه]: قال في "الفتح: وقع في رواية مسلم: "لا يُحِلّ مني حَرَامًا"
بالنصب على المفعولية، وعلى هذا فيقرأ "يُحِلّ" بضم أوله، والفاعل محذوف،
تقديره: لا يُحِلّ طولُ المكث، ونحو ذلك مني شيئًا حرامًا حتى يبلغ الهدي
محله؛ أي: إذا نُحِر يوم منى. انتهي، ومثله في "عمدة القاري" (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذه النسخة التي ذكرها في "الفتح" و"العمدة"