الصدقة يَسْعَى سَعْيًا، كرمى يرمي رَمْيًا: عَمِلَ في أخذها من أربابها (?).
وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "من سعايته"؛ أي: من عَمَله في
السعي في الصدقات، قال: وقال بعض علمائنا: الذي في غير هذا الحديث
أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما بَعَث عليًا - رضي الله عنه - أميرًا لا عاملًا على الصدقات؛ إذ لا يجوز
استعمال بني هاشم على الصدقات؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للفضل بن عباس،
وعبد المطلب بن ربيعة حين سألاه ذلك: "إن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا
لآل محمد"، ولم يستعملهما، قال القاضي: وَيحْتَمِل أن عليًّا - رضي الله عنه - وَلي
الصدقات وغيرها احتسابًا، أو أعطى عُمالته عليها من غير الصدقة، قال: وهذا
أشبه؛ لقوله: "من سعايته"، والسعاية تختص بالصدقة. انتهى كلام القاضي
عياض - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد نقله كلام عياض المذكور: وهذا الذي قاله حسنٌ،
إلَّا قوله: "إن السعاية تختص بالعمل على الصدقة"، فليس كذلك؛ لأنَّها
تستعمل في مطلق الولاية، وإن كان أكثر استعمالها في الولاية على الصدقة،
ومما يدلّ لما ذكرته حديث حذيفة - رضي الله عنه - السابق في "كتاب الإيمان" من "صحيح
مسلم"، قال في حديث رفع الأمانة: "ولقد أتى عليَّ زمانٌ، وما أبالي أيَّكُم
بايعتُ، لئن كان مسلمًا ليردنّه عليّ دينه، ولئن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا ليردنّه
عليّ ساعيه"، يعنى الوالي عليه. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?)، وهو بحث
نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ) النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له ("بِمَ أَهْلَلْتَ؟ ") "ما" استفهاميّة، والقاعدة عند
الجمهور في "ما"الاستفهاميّة وجوب حذف الفها إذا كانت مجرورة، كما في
قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (?)} [النبأ: 1]، قال ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في "الخلاصة":
و"مَا" فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ
ووقع عند النسائيّ: "بما أهللت"، بالألف، وهو قليل في الاستعمال،
كما في قول الشاعر [من الوافر]: