الإحرام تحلّ لكم (فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ) أي: فتحلّلنا، وجامعنا النساء (وَتَطَيَّبْنَا
بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا) أي: الثياب الممنوعَ لبسُها في الإحرام (وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
عَرَفَةَ، إِلَّا أَربَعُ لَيَالٍ) يعني أنه لم يبق للوقوف بعرفة إلا أربع ليال، وذلك لأنهم
دخلوا مكة لأربع ليال مضين من ذي الحجة، فطافوا، وتحللوا، فلم يبق بينهم
وبين عرفة إلا ليلة الخامس، والسادس، والسابع، والثامن (ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ
التَّرْوِيةِ) أي: أحرمنا بالحجّ يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة،
وسمي بذلك؛ لأن الماء كان قليلًا بمنى، فكانوا يرتوون من الماء لما بَعْدُ،
قاله الفيّوميّ.
قال النوويّ: وفيه دليل لمذهب الشافعيّ، وموافقيه أن من كان بمكة،
وأراد الإحرام بالحجّ استُحبّ له أن يُحرم يوم التروية، ولا يقدّمه عليه. انتهى.
(ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: "مَا
شَأْنُكِ؟ "، فَقَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ) أي: من إحرامهم
بالحجّ بعمل العمرة (وَلَمْ أُحْلِلْ) بضم أوله، من الإحلال رباعيًّا، وبفتحه من
الحلّ ثلاثيًّا، يقال: حلّ المحرم حِلًّا بالكسر: خرج من إحرامه، وأحلّ بالألف
مثله، فهو مُحِلٌّ، وحِلٌّ أيضًا تسمية بالمصدر، وحلالٌ أيضًا، قاله
الفيّوميّ رحمه الله (?).
ثم ذكرت سبب عدم إحلالها بقولها: (وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ) أي: لكونها
حائضًا (وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّ هَذَا) إشارة إلى
الحيض الذي حلّ بها، فمنعها من الطواف بالبيت (أَمْرٌ، كَتَبَهُ اللهُ) أي: قدّره
من غير اختيار الشخص فيه، فلا عتب على الشخص به (عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) قال
النوويّ رحمه الله: هذا تسلية لها، وتخفيف لهمّها، ومعناه أنك لست مختصّة به،
بل كلّ بنات آدم يكون منهنّ هذا، كما يكون منهنّ، ومن الرجال البول
والغائط، وغيرهما.
وقد استدلّ البخاريّ رحمه الله في "صحيحه" في "كتاب الحيض" بعموم هذا